Monday, November 3, 2014

لحظة تجلى

دائماً ما أجد الليالى الباردة جميلة بشكل مبهم وساحر ، كل تلك النسمات الباردة التى قطعت أميالاً عديدة لتجعل جلبابى الصيفى _ الذى ما زلت غير قادر على توديعه بعد_ يتمايل ذهاباً وإياباً . 
يسود المشهد هدوء تام فيما عدا صوت خطوات شخص ما يذهب أو يجئ فى الشارع بالأسفل وضوء خفيف منبعث من أحد العواميد الذى اوشك على توديع العالم للأبد ، وفى الخلفية الموسيقى المحددة التى تضفى نوع من السحر على المشهد وعلى الأرجح تكون كلاسيكية سواء موشح تلقيه فيروز أو قصيدة من العصر الأموى تلقيها الست أو حتى إحدى روائع فرانك سيناترا الذى أظن انه هو نفسه لم يرد لأحد أن يستمع إليه سوى فى مثل هذه الليالى.
كل شئ يبدو ساحر وشاعرى ، كأن آدم هبط إلى الأرض فى مثل هذه الليالى وابناؤه قتل احدهم الآخر فى إحداها أيضاً . هذه الليالى تعتبر بمثابة مادة خصبة لكل مشهد ملحمى ولكل لحظة تجلى ، كتلك التى أراح فيها تيمون ظهره إلى جانب بومبا وسأله عن ماهية النقط الزرقة الملعلطة اللازقة فى السجادة الزارقة اللى فوق دى .
الوقت الأمثل لقراءة التدوينات والبوستات الطويلة المليئة بالكثير من الوصف والفائضة بالمشاعر ، كأن التدوينات ذاتها كتبها اشخاص كانوا يقفون هنا إلى جانبى يتأملون قطع التبغ المشتعلة الصغيرة المتطايرة فى الهواء والتى تجعل تدخين هذه السيجارة يستحق أن تضحى برئتيك من أجله ، ثم يربتون على كتفك بخفة ويقولون لك "متقلقش..احنا كنا هنا فى يوم من الأيام والوضع دلوقتى مش سئ بالدرجة" ، يمنحك هذا لحظات قليلة من راحة البال ويضفى نوع من الحميمية بينك وبين الكاتب ، كأنه صديقك المفضل أو بالأرجح أنت .
أميل إلى تصديق أن من كتب على زجاجة الستلا أن "بعض الأشياء الجميلة وجدت لتبقى" لم يكن يجلس فى غرفة كئيبة مليئة بالعاملين الذين يفكرون فى جملة تخدع الجميع ، لكننى اتخيله عائد بعد يوم عمل طويل ومرهق ويقف فى شرفته بجلبابه الصيفى الخفيف ويترك نفسه ليلتحم بذلك النسيم البارد ثم يشعل سيجارة ويفتح زجاجة الستلا وبعد أول رشفة ، يطلق تنهيدة عظيمة ويقول فجأة بدون اى مقدمات أن بعض الأشياء الجميلة وجدت لتبقى .