Sunday, May 24, 2015

احدى اللحظات التى لم نختبأ فيها من الآشعة فوق البنفسجية

الساعة الخامسة صباح الاحد 24/5/2015 
بعد ثلاث ساعات من النوم كان على أن اتوجه الى الشرفة بصحبة كوب القهوة التى انوى _باذن الله_ ان اقوم بتحضيرها كل يوم بعد انتهاء الامتحانات خصيصاً كى أستمتع بسكبها فى الحوض او فى مكان أكثر تحضراً يليق بمدى كراهيتى لدين والدها.
كتبت بالأمس عن كونى شخصية روتينية وفى حقيقة الامر فان رؤيتى للنسخة الجيدة من المستقبل ليست سوى حياة هادئة نسبية ، روتينية للغاية . فقط استيقظ فى شقة بسيطة فى احدى مدن اوروبا وأذهب الى الشرفة بالصباح لأدخن سيجارة واقرأ جريدة لأعرف ماذا اصاب العالم فى الساعات الماضية ، ثم أتابع يومى. سأذهب الى العمل سيراً وربما قبل الذهاب سأصطحب كلبى العزيز _الذى ساعدنى على التخلص من فوبيا الكلاب_ فى جولة قصيرة . سأنهى العمل ثم اذهب ليلاً الى احد الاماكن الهادئة وأجلس الى نفس الطاولة ،لا أعرف ماذا أفعل هناك ، فقط أجلس كاننى فى انتظار شخصاً ما لن يأتى ثم أعود الى المنزل وانهى كل تلك الكتب والروايات التى لم اقرأها بعد وأخلد الى النوم .
الوضع من شرفة منزلى فى طنطا ربما يكون أشد البعد عن الأمر لكننى أجد بعض السلوى فى ذاك الهدوء التام وفى كون أعمدة الاضاءة فى الشارع ما زالت مضاءة . الهواء بارد نسبياً يداعب أطراف جلبابى الصيفى العزيز ودايفيد جيلمور يخبرنى أن أنظر مباشرة إلى الشمس الساطعة ولا تخف من الاشعة فوق البنفسجية .
لم أرغب فى انتهاء المشهد بسرعة لذلك أخرجت السيجارة الثانية ثم الثالثة دون تفكير . فقط فعلت كل شئ دون تفكير فى اننى فى خلال خمس ساعات _سأقضيهم فى حفظ المزيد من قوانين انتقال الحرارة_ سأجلس أمام دكتورى الجامعى العزيز . سأبتسم فى وجهه وأتبشش واضحك على اى شئ سخيف يقوله . سأقبل مؤخرته من أجل درجة اخرى أو سأحاول على الأقل ان اتمالك اعصابى وامنع نفسى من لكمه بقوة .
فى الخامسة صباحاً تتوقف عن التفكير فى مشاكل العالم الثالث ، أو أن شربك ثلاث سجائر يزيد نسبة اصابتك بسرطان الرئة خاصة اذا كانت هذه هى العلبة السابعة فى خلال يومين .
سنتجرد من كل تلك الأشياء التى تحزننا وسنفكر فى فقط فى تلك اللخظات الجيدة التى ستتابع فيها روتينك اليومى دون أن ترغب فى قطع شرايينك . ستفكر فى احتمالية ان يكون الغد يوماً افضل حتى وان كان اليوم _بالتأكيد_ لن يصبح افضل ايام حياتك .


Saturday, May 23, 2015

لا أحد يشاهد ماتريكس لأنه فيلم فلسفى

الساعة تقترب من الحادية عشر وها أنا ذا مثل كل يوم أجلس فى مكان ما أقوم بنزع سولفانة علبة السجائر الثانية او الثالثة _لا أذكر_ ثم استعد لساعات من "نقل الشيتات لا حلها" ثم أقضى عدد اقل من الساعات لأتفقد المنهج بسرعة دون وقت للفهم . كنت أود حقاً ان اخبركم ان ايامى ليست فى المعتاد على هذه الشاكلة لكن الحقيقة انه لطالما كان الوضع مملاً لهذه الدرجة..كما قال الكولونيل أوريليانو "الزمن لم يكن يسير فى خط ، بل كان يدور فى حلقات"
منذ فترة طويلة ادركنا اننا لسنا مميزين على الاطلاق _كما ذكرت فى مناسبات عديدة_ فأنا عن نفسى شخصية روتينية الى ابعد الحدود ، اذهب الى نفس المكان سالكاً نفس الطريق ، أجلس لأطلب نفس الطلب "قهوة زيادة" أنا شخصية سيئة حينما يتعلق الأمر بالاختيار . لا أذكر زمن لم أكن فيه على هذه الشاكلة المملة لكن الروتين مريح نسبياً لى . الخوف من الاختيار الخطأ يجعلك فى طبيعة الحال تلجأ للروتين ..انه الملجأ الأخير لأمثالنا ممن امتلكوا سلسلة لا نهائية من الاحداث المؤسفة ، وليست المؤسفة التى يمكنك ان تضعها فى رواية لتصير رواية من الطراز الدرامى الملحمى ، بل هى ذاك النوع الذى يصلح لأن تطرحه فى "قعدة هلس" ليضحك الجميع من مدى سخرية القدر التى تنتظرك عند كل ركن .
تجاوزنا أزمة اننا لسنا أبطال الرواية التى ستحكى حياتنا لكن هذا لم يساعدنا على تجاوز أن حياتنا لا تصلح ان تكون رواية أصلاً . من قد يرغب فى قراءة رواية عن أشخاص يقضون يومهم فى حفظ قوانين انتقال الحرارة بالتوصيل فقط كى يطلقوا تعبير ذكى عندما يبرد الشاى . شخص يستيقظ كل يوم ليكرر نفس اليوم ثم يعود للنوم ليستيقظ من جديد . ربما هذا هو السبب الرئيسى لمتابعتنا كرة القدم وتعليق آمالنا على كابتن امريكا وسلفستر ستالونى .لهذا لجأنا فى احدى اللحظات الى محاولة ايجاد المغزى من العالم لعلنا نجد فى هذا المغزى انعكاساً لذواتنا .. حينما يقرأ الجميع الورقة الأخيرة فى رواية حياتى سيبكون ، سيصفقون ويصرخون باسمى..لقد وجد ذاته بعد ان تمكن من ايجاد قيمة ثابت التوصيلية الحرارية . لماذا لا يمكننا ببساطة ان نعوض فى قانون لنجد قيمة لحياتنا ام اننا ببساطة ينبغى علينا ان نلتف بسيريالة الحياة ونذهب للنوم كل يوم دون جدوى..آاه واللهى العظيم دون جدوى .
حينما بدأت فى القراءة لم اتجه الى تلك الروايات التى نجح أبطالها فى النهاية من تغيير العالم . لم يجذبنى ذاك النوع الذى يتحدث فيه الراوى عن مدى كون الشخصية الرئيسية "مؤخرة سيئة" يركل مؤخرات الجميع وينعم بالفتاة الجميلة ويقتل الشرير فى نهاية الرواية . بل اتجهت لتلك الروايات التى تجلس أعلى احد الرفوف يكسوها التراب ،تلك التى تحكى قصص شخصيات مريضة ، مملة ، عالقة فى الروتين وتحاول البحث عن المغزى من العالم كل ليلة ثم تخلد الى النوم مدركة انها فشلت. أولئك الذين ضيعوا الزمن المتبقى لهم فى الحياة ، فى تعيين الزمن اللازم لكى تصل درجة حرارة المكرونة البشاميل الى 150 درجة سيليزية.
لم يشاهد احد فيلم "the matrix" لأنه فيلم فلسفى بل الجميع ذهبوا ليشاهدوه لأن ليس بإمكان الجميع تفادى الرصاص .ففى النهاية لا يريد احد ان يواجه حقيقة ان حياته بدون مغزى واننا طوال هذا الوقت لم نكن سوى لعبة أطفال بزنبرك عالقين فى مصفوفة رقمية . لهذا سنستمر فى ترك الروايات الفلسفية التى تحكى قصصنا على الرف وسنذهب لنقرأ عن ذاك الشخص الذى حصل على كل شئ وسنقنع أنفسنا بأننا سنكون رائعين مثله يوماً ما . سنجلس لنشاهد بقعة الضوء وهى تسقط على جبهة كريستيانو حينما يحرز الهدف ال45 فى الدورى الاسبانى وسنصرخ باسمه لعله يصرخ باسمنا هو الآخر كنوع من المجاملة حتى . سنلقى بكل هذه المعادلات الفيزيائة من الشرفة وسنستمع إلى اغانى مبهجة عن النجاح . سنشرب كوكاكولا وسنشاهد أفلام الأبطال الخارقين ونحاول تحريك ريموت التلفاز باستخدام الموجات الذهنية. سنجعل من العالم مكان أفضل يوماً ما ، لكن اليوم سنتابع نقل الشيتات وحفظ الاثباتات الرياضية دون فهم لكن هذا لا يهم طالما سنحكم العالم بالغد ولن نستيقظ وحيدين او نمسح الشوارع التى حكمناها بعد غد .

Wednesday, May 20, 2015

الأوغاد ينتصرون دوماً

تعرضنا لكم لا بأس به من الأكاذيب أثناء طفولتنا ،بداية من ان السلحفاة تغلبت على الأرنب وحتى ان الحسنة تخص والسيئة تعم _والتى كان يتم تطبيق الشق ثانى منها فقط_ لكن ستظل اعظم كذبة هى حينما اخبرنا احدهم يوماً ان "الغاية لا تبرر الوسيلة" ورغم اننا لم نفهم اى شئ بطبيعة الحال الا اننا حفظنا الجملة عن ظهر قلب واكتفينا بهز رؤوسنا ببلاهة وكتبنا فى الامتحان ان جمع وسيلة : وسائل ، وان الجملة الاسمية تبدأ ب"اسم" ولم ندرك حتى وقت متأخر ان الجملة الاسمية هى الشئ الوحيد الذى لا يبدأ بفعل لهذا حياتنا ليست سوى جملة اسمية..العديد من الاسماء ، من الكلمات التى تبدأ بلام قمرية او شمية ، اما حينما يتعلق الامر بالأفعال فعلينا ان نتنحى جانباً ونترك مال قيصر لقيصر ونكتفى بهز روؤسنا.

على عكس أغلب ابناء سنى فقد تخليت عن النظرة المثالية للعالم منذ فترة طويلة وتعاملت مع العالم دون تجميل ، وهذا بالطبع مرهق وكئيب لكن الحقيقة هى ان الفراشات تنتهى أسفل شبشب بصباع ، والكوكاكولا تمنحنا الانتتفاخات وامراض القولون لا الفرحة ، كما ان العديد يموتون دون ان تملك حياتهم او موتهم اى معنى وعلى الارجح نحن احد هؤلاء الأشخاص وفى النهاية فالغاية _دائماً وابداً_ تبرر الوسيلة.

بالخط العريض يكتب احد أصدقائى "الثورة مستمرة" يتساءل بنفس الكيفية عن "حق الشهداء" يكتب عن "رابعة" عن "خامسة" وحتى اصبح العدد "خمستاشر" ومازال يكتب وسيظل يكتب الى النهاية لكننى تخليت عن الكتابة عن هذه الامور لأن سيظل الوضع على ما هو عليه ، هذا طبعاً بغض النظر عن ان الانتماء لاى حزب سياسى_كما قال احد اصدقائى_ يجعلك بطبيعة الحال مـ"طبلاتى" .
الأوغاد يحكمون العالم _ليس فقط مصر_ لكن التاريخ لا يذكر كونهم اوغاد فالغاية تبرر الوسيلة ولن يذكر احدهم الوسيلة طالما تمكنت من الوصول الى الغاية ، وكلما أصبحت الغاية اعظم كلما صارت الوسائل اكثر دموية واكثر قذارة وتلاعب وضرب اسفل الحزام دون هوادة ، بل احيانا قد يصل الامر الى كهربة اسفل الحزام لا الضرب فقط . لكن لا احد سيذكر هذا بعد عشرون عاماً حينما تصل الى غايتك العظيمة لن يدرك احدهم انك سوى انك ربحت وسيتنادون باسمك وبعظمتك ، هكذا كان الامر دوماً وهكذا سيكون .

فى قرارة نفسى ورغم كل الكراهية التى اكنها لهم ،لكننى دائماً ما تملكنى الاعجاب تجاه اولئك الذون تمكنوا من تطبيق منهج الغاية تبرر الوسيلة . أعرف ان عليهم فعل ذلك لكى يصلوا الى غايتهم . بداية من الطلاب الذين يقبلون مؤخرات اساتذتهم الجامعيين وحتى اولئك الذين راحوا يسيرون دون ان يغسلوا ايدهم من الدماء. اولئك الذين يناموا فى أسرتهم دون اى شعور بالذنب او اى تنغيص ضمير . اولئك الذين تمكنوا من اقتلاع كل ما ارادوه من العالم دون ان يعبئوا بمدى اخلاقية الأمر . أطلقوا سراح قبضتهم وتركوها تحصد ما تريد على عكسنا اولئك الذين يشعرون بالذنب حيال الأزمة الاقتصادية فى العالم والمجاعات فى الصومال .


التاريخ الأمريكى سلسلة غير منقطعة من المآساويات والدماء والقتل باسم الأمن العام ولكن لا أحد يعبأ طالما حلق نسر الحرية.لا أحد يذكر وبالتأكيد لا أحد يهتم.


ستالين انتصر وفى نهاية الامر مات على سريره كما فعل تشرشل والذى كانت جنازته احد اكبر الجنازات فى التاريخ .بكاهم الكثير وسيبكى قلة مندسة أولئك الذين ماتوا فى الحرب ، فعلى الجنود ان يموتوا فى الحرب لأنه واجبهم تجاه وطنهم اما الملوك فيموتون فى اسرتهم ، ومهما بلغوا من العمر يظلون صغار جداً على الموت .


الاخوان خسروا ليس لأنهم لم يطبقوا المنهج فلطالما طبقوه لكن حينما وصلوا للسلطة لم يمتلكوا الجرأة الكافية للتصريح بالأمر واكتفوا بالرقص على السلالم الساكنة والذى هو عبث تام ، فالرقص على السلالم المتحركة يجعلك فى النهاية تصل الى غايتك لان السلم سيتحرك حتى ان توقفت ، كما انه يصلح كاسم جيد لمسلسل ناجح فى التلفيزيون المصرى . اما الاخوان فقد سقطوا لانهم لم يستطيعوا ان يكونوا اى شئ وانتهى بهم الامر بالسقوط من على السلالم والموت بالأسفل .


الزند اصبح وزيراً للعدل ومنذ فترة ليست ببعيدة تم اعدام مجموعة عن قضية لا تزال غير مفهومة والناس اصابهم الغم حينما قال الوزير السابق ان ابن الزبال لا يمكن ان يصير قاضى رغم انهم جميعاً يعرفون انه كان محق بل ان بعضهم يشيح بنظره بسرعة عند روية ابن الزبال ويكتمون انفاسهم حتى لا يشمون رائحته القبيحة ، لكنهم يظنون انهم افضل من هذا..الكل يظن انه افضل من هذا لكن الحقيقة اننا كلنا مشوهين .


مصيبتنا لم تكن يوماً فى اننا يتم حكمنا بواسطة حفنة من الأوغاد . مصيبتنا الحقيقية هى اننا لسنا اوغاد بالقدر الكافى لكى نتمكن من النجاة .

لهذا سنموت جراء تشخيص طبى خطأ ، فى حادث سيارة ، فى مظاهرة ،اثناء قيامنا بخدمة الوطن على الحدود ، او حتى أثناء عبورنا الطريق . سنسقط ولن يذكرنا احد ولن نغير شئ .ففى النهاية سيزيف لم تعد على اكتافه الصخرة وسبارتكوس جبهته بالموت محنية اما نحن سنكتفى بهز رؤوسنا كما فعلنا دوماً حتى تسقط هذه الرؤوس للأبد .

Saturday, May 16, 2015

بداية آخر الأحزان - أبو شارب وبرايز وأبى وآخرون

لا أعرف لماذا قررت فجأة أن أخرج هاتفى وأتصل تلقائياً بأبو شارب، لم يكن هناك داعى حقيقى لأهاتفه فى هذه الساعة لكننى فقط فعلت . كنت أجلس مع يحيى والشبراوى فى الكافيه المعتاد أستمع لنفس الأغنية التى يقومون بتشغيلها يومياً دون توقف على مدار الأربع شهور الماضية ، ورغم كرهى لها فهى تظل أفضل من ألشة أخرى مبهمة يلقيك بها يحيى ثم يبتسم ابتسام عريضة ويتابعك بصبر شديد بينما يدعك لتفكر ملياً بها وتشعر بشئ ما يموت بداخلك حينما تتضح الألشة أمام عينك . ربما هذه المكالمة لم تكن سوى طريقة اخرى اتملص بها من كل هذا بضمير مستريح ، أردت فقط  بضع دقائق امضيها فى الحديث مع صديقى العزيز الذى لم اره منذ فترة ثم اعود مجدداً لحفظ قانون آخر فى الديناميكا الحرارية غير ذاك الذى ينص على عدم الحديث عن الديناميكا الحرارية .
"أبا شارب" بمجرد أن رد قلتها بشكل تلقائى ، طريقته فى الحديث كانت عادية وربما هذا ما دفعنى لممازحته قليلاً قبل ان اسأل عن حاله وعما اذا كان ما زال فى القاهرة . نبرة صوته ظلت ثابتة طوال المكالمة..ظلت ثابتة حتى عندما أخبرنى أنه قد وصل طنطا منذ ساعة ، وأن والده قد توفى منذ بضع ساعات.


تعرفت على أبو شارب فى المرحلة الاعدادية ، تلك الفترة التى أكتشف فيها الجميع ميكانيزم العلاقة الحميمية بين الرجل والمرأة واصبح شغلهم الشاغل الحديث عن الأمر بالإضافة لتبادل الرنات المجسمة والمكالمات المسجلة _التى تحوى كم لا بأس به من الشتائم الغريبة_ عن طريق الاختراع الغريب الذى يدعونه "البلوتوث" . مرحلة كسر التابوهات والاصطدام بالعالم السرى للمراهقين حيث يمكنك أن تنطق الكلمة المحرمة ذو الثلاث حروف بحرية شديدة وبدون خوف_بعد أنا تلتفت يميناً ويساراً بالطبع_ وأنا عن نفسى كنت قد حفظت عن ظهر قلب كل الشتائم والردود الجيدة لها والمتوافقة معها من حيث القافية والسجع والجناس..بل كنت طالباً جيداً واخترعت ردودى الخاصة بى .
كان_وما زال_ احد أولئك الطلاب الذين يبذلون أقصى جهدهم ، فابو شارب لم يكن من النوع الذى يقبل بأن يمنح اقل من مائة فى المائة من طاقته فى اى عمل مهما كانت تفاهته ، لطالما حركه دافع خفى وحس عظيم بالمسئولية وضمير لا يكل أو يمل من تنغيص حياته اذا اهمل احد جوانب حياته سواء الشخصية أو الدراسية ، ربما هذا أكثر ما يميزه بيننا وربما هذا أحد اهم الأسباب التى تجعل من غير المنطقى أن تكره ابو شارب ، كل هذه السخافات والسخرية الدائمة منه ليست سوى حب عظيم لأسلوبه فى الحياة ولشخصيته التى لم تتغير على عكسنا وظلت نقية رغم كل هذه السنين ، ظل نفس الشخص الذى طلب منى ألا أسير بجانبه لأننى أمتلك "لسان قذر" كثير اللعن والشتيمة طوال الوقت ، ما زال هو نفس الشخص الذى تصنع عدم سماعى حينما طلبت منه اجابة السؤال الثانى والثالث فى امتحان التفاضل وحساب المثلثات فى الثانوية العامة ..ما زال أبو شارب _على عكسنا جميعاً_ أبو شارب .


فى طريقى اليه اشعر بخواء ذهنى عظيم ، أحوال ان اصرف ذهنى عن صوت رضا البحراوى المنطلق من كاسيت التاكسى وأدخن السيجارة تلو الأخرى بعصبية شديدة "ماذا على أن أفعل ؟" لا أستطيع التفكير فى اى شئ ، لم أكن أتوقع أننى سأكون فى طريقى لعزائه حينما قابلته من اسبوع برفقة وحيد وعبدالله وأبو المكارم أمام المشفى الذى مكث فيه والده ، أخبرنا أن الأمر على ما يرام وان والده قد أفاق من الغيبوبة وأنه بدأ يتعافى بعد أنه توصلوا أخيراً لتشخيص منطقى لسبب الحالة المفاجئة . ظننا أن الأمر سيصبح على ما يرام وودعناه ثم عدنا أدراجنا لكن الحقيقة أن الأمر ليس على ما يرام..ليس هذه الليلة بالتحديدة .
أخرج من التاكسى ، كان يجلس على احدى الأرصفة برفقة عبدالله ، أقترب منه وأحتضنه بقوة ..بقوة كافية لاخباره أننى هنا لكن ليس بالقوة الكافية لجعله يبكى فأنا أدرك جيداً أن الحضن اذا تعدى مرحلة ما يمكن للوضع ان يتحول الى قصة أخرى لكافكا أو مشهد ختامى بفيلم دراما ملحمية أخرى ، الحضن اذا طال عن مدة معينة فعلى الشخص ان يبكى .


تمسكت بالهاتف للحظات ، أعدت السؤال دون استيعاب لكن الايجابة كانت نفسها "برايز مات" لم اعرف ماذا عساى ان اقول ، فقط صمت للحظات ثم سألته عن موعد الجنازة . أخبرنى انهم سيذهبون الآن لكننى لدى بالغد امتحان وهذه المادة بالتحديد كانت الأصعب ، لم اكن اعرف أى شيئاً عنها ، كما لم اكن اعرف اى شئ عما ينبغى فعله فقد مات برايز وأنا هنا أذاكر الدوائر الكهربية دون ان امتلك حتى وقت كافى لأذهب الى جنازته . شعرت بمدى حقارة الفكرة..بمدى حقارتى شخصياً ، على أن اختار ، على أن اقرر .

"ها يبنى حتعمل ايه؟" انتشلنى صوت لطفى من التفكير . تذكرت برايز ، وتذكرت انه على ان احزن ولكننى تذكرت ايضاً ان على ان انجح "حشوف واقولك يا لطفى..حشوف واقولك" .
لم يكن برايز احد اصدقائى المقربين لكنه كان على كل حال صديقى بالدرجة الكافية لأشعر بالحزن .. لأذهب الى جنازته .


طوال المسافة التى سرناها سوياً ، لم أنطق بكلمة وكذلك لم يفعل وحيد واكتفينا بهز رؤوسنا بينما تحدث عبدالله بالنيابة عنا . حاولت جاهداً أن أقول أى شئ ، وأعرف جيداً ان وحيد حاول كذلك ، لكن الكلمات اكتفت بالدوران فى رؤوسنا دون جدوى .

تكلمت ان ووحيد كثيراً بعد ان تركنا ابو شارب وعبدالله . أخبرته ان ابى مريض وأننى خائف . لطالما كان ابى مريض ولكنه كان دائماً يتمكن من اخفاء الأمر أما لكن هذه المرة مختلفة وها أنا قد ودعت صديقى للتو وقد مات والده وهذا مخيف .. مخيف لدرجة تمنعنى من التظاهر بان الأمر على ما يرام .


اتصلت بلطفى واخبرته اننى لن أحضر الجنازة ، سأجلس هنا اذاكر ، سأنجح . برايز مات ولكن "الحى أبقى من الميت" او على الأقل هذا ما يعلمونه اياك حتى تشعر بانك انسان جيد رغم كونك لم تحضر جنازة صديقك . لم أذاكر سوى بضع صفحات خلال تلك الساعات الطويلة التى جلست فيها امام الكتاب ، استولى على الشعور التام بالعجز . لقد خذلت برايز للمرة الأخيرة..أنا لست انسان جيد وعلى الأرجح لم أكن ابداً .



لا أذكر عن جدى عبدالحليم سوى موقفين . دخلت البيت دون هدف واضح لأجده مستريحاً على أريكته فأقبله ويمنحنى خمسة وعشرون قرشاً ، بمجرد حصولى عليهم اركض لأشترى بعض الحلوى ، اركض فحسب واتركه .

الموقف الآخر هو جنازته . كنت فى الثالثة من عمرى أو اكبر قليلاً . الكل يبكى ، لم أعرف لماذا لكننى وعلى كل حال بدأت فى البكاء أنا ايضاً .


"فجأة الأجهزة كله زمرت ، ابويا كان خلاص بيطلع فى الروح والدكتور قرب مننا وسألنا اذا كان يعمله انعاش ولا يسيبه يرتاح..مكنش فى امل بس كان لسة عندنا امل ، ابويا كان طول عمره من النوع الsurvival .المرض اللى جاله كان المفروض يقتله بعد باصابته بيومين لكننه قدر يعيش الأسبوع اللى فات كله . لكن الدكتور أكدلنا ان خلاص مفيش امل ولكنه سابلنا الاختيار ما بين انعاشه او الاستمرار فى تعذيبه..." توقف أبو شارب عن الكلام فى هذه اللحظة ولم يجرأ أحدنا على سؤاله عما فعلوه . ما زلنا لا نعرف حتى هذه اللحظة . كل ما نعرفه انه بدون شك _اياً كان اختيارهم_ فقد مات.



لم أجلس مع أبى منذ فترة طويلة لكننى على غير العادة ذهبت الى غرفته وجلست الى جواره ثم بدأ الحديث . أخبرنى انه هو من اصطحب جدى محمد إلى الطبيب آخر مرة ، هو من تلقى خبر أن جدى قد اصيب بسرطان فى الرئة وأنه يملك على أقصى تقدير حوالى اسبوعين ليعيشهما . أخبرنى انه أراد توجيه لكمة للدكتور لكنه تمالك نفسه من أجل جدى الذى جلس هناك إلى جانبه بعينه التى أصبح من الصعب الرؤية بها كنتيحة للجلطة التى اصابته منذ مدة ليست بكبيرة .

فى طريقهما للمنزل توقف جدى فجأة وأخبر أبى انه يريد أن يأكل من تلك عربة الكبدة بجوارهما . بعد أن أنهى طعامه اخبر أبى أن يشعل له سيجارة . تردد والدى فى البداية لكنه ادرك أخيراً ما أدركه جدى قبل حتى أن يقابلا الدكتور ، انه سيموت . أشعل السيجارة له ثم ناوله اياها ، سحب جدى النفس ورفع رأسه لأعلى وتأمل السماء للحظات . بينما يحكى أبى ذلك المشهد بدأ فى البكاء . ليس من السهل ان يبكى شخصاً صارماً مثل أبى لكنه فعل كطفل صغير يفتقد والده ، أما بالنسبة لجدى فقد مات بعدها بأسبوعين بالضبط .


ذهبت إلى برايز برفقة أصدقائى الجمعة التالية لموته ، جلسنا هناك أمام مقبرته بعد أن قمنا بتقسيم القرآن بحيث يتم تلاوته كاملاً على لأجل برايز . حاولت جاهداً أن أصرف تفكيرى عن الحشرة التى أخذت تزحف على جدران قبره بصفتى أمتلك فوبيا شديدة من الحشرات ، كما حاولت أن اصرف تفكيرى عن سورة التوبة التى كنت أتلوها والتى لا أحبها شخصياً فهى مرعبة بكل هذا الوعيد كما جعلتنى أفكر فى مصيرى ..مصير برايز . ما لم أتمكن من صرف تفكيرى عنه هو تلك الرائحة ، جثة برايز كانت قد بدأت فى التحلل والرائحة تزداد قوة ونحن هناك ، طارق على وشك التقيؤ وانا أحاول أن أتمالك نفسى . كلنا سنموت وكل هذا الوقت الذى قضيناه نحاول أن نخفى حقيقتنا لا يهم فيوماً ما سنرقد ها هنا وستكون هذه رائحتنا..سنموت ونتحلل ولن يعبأ احد ولن يذهب احد الى جنازتنا لأنه يمتلك امتحان دوائر كهربية ، سنبقى ها هنا إلى الأبد .



ظل أبا شارب متماسك طوال الدفنة ، لم يبكى طوال هذه الفترة حتى تم اغلاق باب القبر ووضع القفل . أبا شارب يبكى ..أردت أن أقول شيئاً ما ..شيئاً آدمياً على حد تعبير أحدهم لكننى فقط وقفت هناك أتابع فى صمت تلك الحشرة التى أخذت تزحف على الجدار آملاً ألا تطير صوبى . أدركت حينها الأمر ، فهمت ماذا عنى الراوى فى نادى القتال حينما قال أنه رغم كل هؤلاء الناس الذين سيموتون ، رغم أن العالم سيسقط خلال لحظات وسيسقط هو معه ، كل ما فكر فيه كان مدى نظافة ماسورة المسدس الموضوعة فى فمه.



"كان يجب على الزمن أن يتوقف يا متولي، كان يجب عليه أن يتوقف لفترة، تحزن فيها كما تشاء، وتبكي، وتتوقف عن المذاكرة دون أن أقول لك ذاكر،  وتقول شعراً لنزار، و ننتظرك لتنتهي من بكائيتك، التي ستسمع فيها الأطلال ألف مرة، وأثناء ذلك تتوقف القطط عن الموت تحت عجلات السيارات المسرعة، لتربّت على كتفك، وأن تعتذر منك الفتاة حتى ترضى، وتسمح لها بالزواج. وتتوقف الملاريا عن اصابة الناس لفترة لأن هذا حزين يا متولي."

Friday, May 1, 2015

لا أحد يقرأ موبى ديك

الساعة حوالى الحادية عشر مساءً . منذ خمس دقائق كنا حوالى 10 أفراد يأكلون الشاورما السورى ويشربون الشاى وأنا أدخن وحدى بين مجموعة تكره التدخين وتضطهد المدخنين فى كتاباتهم على الفيس بوك لكن هذا بالطبع لا يهم . الآن أنا وسيد نجلس كالعادة نرمق صبى القهوة بنظرة رجاء "أرجوك شيل المياه اللى حطتها ، مش معنى اننا حاسبنا عالمشاريب الأولى ، اننا حنشرب حاجة تانية" أو بمعنى أكثر دقة "الحالة تعبانة مش قادرة ، ومفيش فلوس نفتح حتى ازازة المياه اللى انت حطتها دى نبلع بيها ريقنا اللى نشف من كتر ما بنكح تراب من فترة" 
الكل يرحل للعب البينج وأنا وسيد نبقى لأننا لسنا الأفضل حينما يتعلق الأمر بالبينج بونج أو كرة القدم أو الدراسة والكلية أو أى شئ فى الحقيقة ..فهنالك نوعين من الناس . الأول يمتلك الموهبة الفطرية ، أولئك يكبرون ليصبحوا شخصيات عظيمة . والثانى لا يمتلكون مثل تلك الموهبة ، أولئك يكبرون ليشاهدوا الجزء الثانى من fairly odd parents ويتخيلون حياتهم فى حالة امتلاكهم لأبوان سحريان وقبعة زهرية اللون .
بدأ الصراع الحقيقى بالكلية من أجل الفوز بتدريب صيفى جيد فى شركة مرموقة ليحتل اسمها مكاناً فى سيرتنا الذاتية المملة التى لا تحوى ذبح تنانين أو ركمجة على الحمم البركانية أو حتى انقاذ صبية فى محنة ضمن خانة القدرات الخاصة . هذا بالطبع بغض النظر عن السباق الذى بدأ من فترة على مشروع التخرج .
أنا على الأرجح لن أكون شخص مبدع فى مجال الهندسة. اصطدمت بهذه الحقيقة منذ فترة وتكيفت معها بطريقة جيدة نسبياً لكن الأزمة ليست فى التكيف مع محض فكرة ، فالأزمة الحقيقة ستكون التكيف مع كونى استيقظ كل صباح لأذهب إلى وظيفة أمقتها بشدة وعالم لست جزء منه .فقط أستيقظ على صوت المنبه المزعج على أمل أننى سأعتاد الوضع صباح الغد اما اليوم فعلى أن أسرع من أجل الحصول على المال الكافى لشراء منبه بدل ذاك الذى كسرته للتو . لكن ما الهدف من المال اذا كان المرء غير سعيداً ؟
يخبرنى سيد أننا على الأرجح اتينا هذا العالم عن طريق الخطأ ، فاخبره أنه محق فربما الأزمة ليست كوننا دخلنا هندسة عن طريق الخطأ فعلى الأرجح الأمر بدأ منذ فترة أكثر قدماً من مجرد الأربع سنوات التى قضيناها فى الكلية .
أخبر سيد أن يشاهد فيلم Amélie فهو على الأرجح من أكثر الأفلام المبهجة فى تاريخ السينما . أصمت قليلاً ثم أستكمل قائلاً أنه من أكثر الأفلام المبهجة لكنه على الأرجح سيصيبك باكتئاب حاد . كل هذا الجمال..لن تعرفه . لن تقبلك أبداً فتاة فى جمال ايميلى ولن تعيش قصة رومانسية . 
من الأشياء التى تجمع بينى وبين سيد هى كراهيتنا للعلاقات الرومانسية وابتعادنا عنها وعن "قعدة البنات" تحديداً لما تحمله من التصنع والزيف الصادرين عن الفتيان اكثر من كونهم صادرين عن الفتيات هذا إلى جانب أن أمثالنا غير جيدين فى التعامل مع الفتيات فأنا عن نفسى شخص انطوائى تمكن فى الفترة الأخيرة ان يصير اجتماعياً عن طريق الكلام الذى يكتبه بدون هدف واضح على الانترنت _لا أنكر طبعاً مدى استغرابى شخصياً من هذا السبب_ إلا أننى أظل فى نهاية الأمر شخص انطوائى يبحث عن الراحة النفسية المتمثلة فى التلقائية العظيمة التى يحملها مجلس الرجال بعيداً عن التعقيد والتصنع فبسيجارة وربما مراجعة السيرة الذاتية لإحدى نجمات البورنو يمكن لرجلين ان يصيرا اعز أصدقاء وبالطبع هذا من الصعب تحقيقه مع الفتيات .
على الرغم من كل هذا إلا أنه من حين لآخر يصدمك أنك على الأرجح تبتعد عن احد اهم الأشياء لك ككائن حى فعلى الرغم من كل ما تحمله العلاقة بين الرجل والمرأة من تعقيد إلا أنها تجعلك سعيداً..لا احد منا يمكنه قضاء حياته بدون حب..بدون فتاة مثل ايميلى ، وعلى الرغم انه لا يوجد فتاة مثل ايميلى الا انه يمكن للمرء دائماً أن يقدم تنازلات ففى النهاية أنا لست سيرخيو راموس كما أننى لا أمتلك عضلات بطن كريستيانو رونالودو. أعرف أننى لن أحظى بعلاقة مع عارضة أزياء لكن لا يحتاج المرء بالضرورة إلى عارضة أزياء ليصبح سعيداً لكنه بالتأكيد يحتاج إلى امرأة .
لسنا قادة ، لسنا مبدعين ، لسنا نجوم روك ، لسنا ندفة ثلج لعينة ، وبالتأكيد لن نقوم بانشاء نادى للقتال ..نحن لا نعرف اذا ما كان هنالك طريق صحيح لأمثالنا فالأشياء التى تمنحكم السعادة لا تمنحنى سوى الشعور بالخواء والعالم ما زال مكان كبير مقارنة بحجمنا..أنا لن اغير العالم وعلى الأرجح لن أقرأ موبى ديك ولن أصبح شخصاً أفضل يوم السبت انشاء الله .