Saturday, May 23, 2015

لا أحد يشاهد ماتريكس لأنه فيلم فلسفى

الساعة تقترب من الحادية عشر وها أنا ذا مثل كل يوم أجلس فى مكان ما أقوم بنزع سولفانة علبة السجائر الثانية او الثالثة _لا أذكر_ ثم استعد لساعات من "نقل الشيتات لا حلها" ثم أقضى عدد اقل من الساعات لأتفقد المنهج بسرعة دون وقت للفهم . كنت أود حقاً ان اخبركم ان ايامى ليست فى المعتاد على هذه الشاكلة لكن الحقيقة انه لطالما كان الوضع مملاً لهذه الدرجة..كما قال الكولونيل أوريليانو "الزمن لم يكن يسير فى خط ، بل كان يدور فى حلقات"
منذ فترة طويلة ادركنا اننا لسنا مميزين على الاطلاق _كما ذكرت فى مناسبات عديدة_ فأنا عن نفسى شخصية روتينية الى ابعد الحدود ، اذهب الى نفس المكان سالكاً نفس الطريق ، أجلس لأطلب نفس الطلب "قهوة زيادة" أنا شخصية سيئة حينما يتعلق الأمر بالاختيار . لا أذكر زمن لم أكن فيه على هذه الشاكلة المملة لكن الروتين مريح نسبياً لى . الخوف من الاختيار الخطأ يجعلك فى طبيعة الحال تلجأ للروتين ..انه الملجأ الأخير لأمثالنا ممن امتلكوا سلسلة لا نهائية من الاحداث المؤسفة ، وليست المؤسفة التى يمكنك ان تضعها فى رواية لتصير رواية من الطراز الدرامى الملحمى ، بل هى ذاك النوع الذى يصلح لأن تطرحه فى "قعدة هلس" ليضحك الجميع من مدى سخرية القدر التى تنتظرك عند كل ركن .
تجاوزنا أزمة اننا لسنا أبطال الرواية التى ستحكى حياتنا لكن هذا لم يساعدنا على تجاوز أن حياتنا لا تصلح ان تكون رواية أصلاً . من قد يرغب فى قراءة رواية عن أشخاص يقضون يومهم فى حفظ قوانين انتقال الحرارة بالتوصيل فقط كى يطلقوا تعبير ذكى عندما يبرد الشاى . شخص يستيقظ كل يوم ليكرر نفس اليوم ثم يعود للنوم ليستيقظ من جديد . ربما هذا هو السبب الرئيسى لمتابعتنا كرة القدم وتعليق آمالنا على كابتن امريكا وسلفستر ستالونى .لهذا لجأنا فى احدى اللحظات الى محاولة ايجاد المغزى من العالم لعلنا نجد فى هذا المغزى انعكاساً لذواتنا .. حينما يقرأ الجميع الورقة الأخيرة فى رواية حياتى سيبكون ، سيصفقون ويصرخون باسمى..لقد وجد ذاته بعد ان تمكن من ايجاد قيمة ثابت التوصيلية الحرارية . لماذا لا يمكننا ببساطة ان نعوض فى قانون لنجد قيمة لحياتنا ام اننا ببساطة ينبغى علينا ان نلتف بسيريالة الحياة ونذهب للنوم كل يوم دون جدوى..آاه واللهى العظيم دون جدوى .
حينما بدأت فى القراءة لم اتجه الى تلك الروايات التى نجح أبطالها فى النهاية من تغيير العالم . لم يجذبنى ذاك النوع الذى يتحدث فيه الراوى عن مدى كون الشخصية الرئيسية "مؤخرة سيئة" يركل مؤخرات الجميع وينعم بالفتاة الجميلة ويقتل الشرير فى نهاية الرواية . بل اتجهت لتلك الروايات التى تجلس أعلى احد الرفوف يكسوها التراب ،تلك التى تحكى قصص شخصيات مريضة ، مملة ، عالقة فى الروتين وتحاول البحث عن المغزى من العالم كل ليلة ثم تخلد الى النوم مدركة انها فشلت. أولئك الذين ضيعوا الزمن المتبقى لهم فى الحياة ، فى تعيين الزمن اللازم لكى تصل درجة حرارة المكرونة البشاميل الى 150 درجة سيليزية.
لم يشاهد احد فيلم "the matrix" لأنه فيلم فلسفى بل الجميع ذهبوا ليشاهدوه لأن ليس بإمكان الجميع تفادى الرصاص .ففى النهاية لا يريد احد ان يواجه حقيقة ان حياته بدون مغزى واننا طوال هذا الوقت لم نكن سوى لعبة أطفال بزنبرك عالقين فى مصفوفة رقمية . لهذا سنستمر فى ترك الروايات الفلسفية التى تحكى قصصنا على الرف وسنذهب لنقرأ عن ذاك الشخص الذى حصل على كل شئ وسنقنع أنفسنا بأننا سنكون رائعين مثله يوماً ما . سنجلس لنشاهد بقعة الضوء وهى تسقط على جبهة كريستيانو حينما يحرز الهدف ال45 فى الدورى الاسبانى وسنصرخ باسمه لعله يصرخ باسمنا هو الآخر كنوع من المجاملة حتى . سنلقى بكل هذه المعادلات الفيزيائة من الشرفة وسنستمع إلى اغانى مبهجة عن النجاح . سنشرب كوكاكولا وسنشاهد أفلام الأبطال الخارقين ونحاول تحريك ريموت التلفاز باستخدام الموجات الذهنية. سنجعل من العالم مكان أفضل يوماً ما ، لكن اليوم سنتابع نقل الشيتات وحفظ الاثباتات الرياضية دون فهم لكن هذا لا يهم طالما سنحكم العالم بالغد ولن نستيقظ وحيدين او نمسح الشوارع التى حكمناها بعد غد .

No comments:

Post a Comment