Monday, May 16, 2016

عبس وتولى

اظن انه مع الوقت ستفقد كل الأشياء قيمتها وسيؤول الأمر بكل ما انجبته الحضارة البشرية الى مجرد اكليشيه آخر سخيف "كليتش"
فى احد الأزمنة الماضية ، لا بد ان احدهم نطق فجأة بجملة مثل "اسير فى المطر حتى لا يرى الناس دموعى" وعلى الأرجح بكى الحاضرين جميعًا وصفقوا بحرارة وتعجبوا من القدرة الأدبية العظيمة لدى قائل العبارة . لا بد ان هذا ايضًا حدث مع اول مرة سمع فيها احدهم جملة مثل "اذا اردت شيئًا بقوة فأطلق سراحه" على الأرجح راح احدهم يلقى كل امواله فى مياه الصرف الصحى لاكتشاف اذا ما كانت ستعود اليه يومًا ما ، واثناء الانتظار الطويل اخذ يجول الشوارع يستجدى الناس ثمن وجبة العشاء .

حينما تموت ينتهى الأمر . ليس هنالك وجود لك فى هذا العالم . لقد رحلت الى الأبد . لهذا من السخف ان نضيع حياتنا بهذا الشكل ظننًا اننا سنجول العالم للأبد كأطياف ضوئية ، فى تلك المنطقة الرمادية ذات الطول الموجى الغير مرئى.  الأموات لن يموتوا مجددًا لانهم لن يعودوا الى الحياة مجددًا .


حينما فتحت باب غرفتى ، وجدت آدم يمسك بعلبة السجائر الخاصة بى . كان قد فتح ادراج المكتب كلها ثم امسك بالعلبة واخذ يخرج السيجارة تلو الأخرى ويتفقدهم بفضول .
لسبب ما لم اتمالك نفسى وصرخت فيه بغضب . نظر الى آدم للحظات وكان على وشك البكاء ، ثم فجأة تحولت نظرته الحزينة الى غضب مشتعل ، وصوب ساعته الى وضغط على احد الأزرار الموضوعة على جانب الساعة فخرج شعاع ليزر رفيع ، ترك نقطة حمراء على قميصى . لم اتمالك نفسى من شدة الضحك ، لكن آدم لم يتراجع . ظل يضغط على الزر حتى كاد يكسر الساعة..اراد من كل قلبه ان يخترقنى شعاع الليزر وحينما لم يحدث مثل هذا الأمر _الحمدلله_ خرج واغلق باب الغرفة خلفه بعنف.


فى المرة الأولى التى قرأت فيها سورة عبس ، كنت مرعوبًا بشدة من الآيات 34 ، 35 ، 36 و 37 .
"يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) "
لهذا الأرجح حينما اتممت حفظ جزء عم ، كان ينقصه سورة عبس . كان الأمر مرعب خاصة لطفل لم يتجاوز العاشرة . هل سأفعل هذا حقًا . لم اصدق حينها ، لكن مع الوقت كبرنا وادركنا ان هذا سيحدث على الأرجح لاننا لم نخلق من ضوء كما كنا نظن ..انا اعرف ان هنالك كم ظلام كافى بداخلنا لجعل نار الله دائمًا موقدة . ربما اكون _فى احد المناطق المظلمة من اللاوعى_ منذ تلك اللحظة قد قررت الا اكون من يدير ظهره للناس ، ربما منذ هذه اللحظة قررت ان اسلك سلوك من سيدير الناس ظهرهم اليه . سيفر الجميع منى ولن افر من احد لان من سيريد شخص مثلى ان يشفع له ...لا بد انه سيكون حقًا شخص بائس .


متى صرنا كبارًا يا ترى ؟ على الأرجح حينما توقفنا عن الايمان بان آشعة الليزر الصادرة عن ساعاتنا الصغيرة يمكنها قتل البنى آدمين ...حينما ادركنا اننا "مجرد العاب"


مع الوقت سيصير كل شئ اكليشيه . كلمات شكسبير ، اغانى الست . حتى نيتشه نفسه لن ينجو . كل شئ سينهار ويصبح بعض اتربة تحملها الرياح لتعلق على طاحونة هواء ما يحاربها احدهم فى اليوم التالى .
نحن نكبر والعالم يزداد كبرًا حولنا ، ونحن لسنا لعبة يمكنها الطيران .