Wednesday, June 22, 2016

شجرة الحياة



منذ سبعة اعوام ، انتقلت الى البيت الذى اسكنه الآن . كانت شرفتى تطل على شجرة عملاقة . توازى قمتها الطابق الثامن لعمارتى . شجرة عظيمة لم يزدها الدهر سوى صلابة وتشعب اكثر لجذورها فى الأرض . اكتشفت فيما بعد ان المنطقة التى انتمى اليه قد تم تسميتها تيمنًا بها..حى الشجرة . على الأرجح هى احد اقدم الأشجار فى المدينة ، وبالتأكيد فقد تجاوز عمرها المائة عام منذ فترة طويلة . المئات فى حى الشجرة خرجوا الى الحياة وآخرون رحلوا والشجرة ما تزال هنا . 
صرح عظيم يأوى عشرات الطيور بمختلف الانواع ، ففى احد الأغصان تجد عائلة عصافير صغيرة ، فى آخر ستتمكن بوضوح من رؤية عدة عيون مستديرة لامعة لبعض البوم تحدق فيك ليلًا ، وبالطبع هنالك عائلة الغربان التى اعتادت يقاظى من شدة الفزع كل اسبوع حينما توشك على تفتيت زجاج غرفتى بمنقارها .
طوال السبعة اعوام الماضيين ، اعتدت التحديق فى الشجرة كلما خرجت لأدخن سيجارة _وما اكثر الوقت الذى قضيته فى التدخين_ حتى استيقظت فى احد الايام فلم اجدها .
الشجرة فجأة اختفت ، دون اى اثر . حتى ان جذورها قد انتزعت بأكملها . فكرت ان اسأل عم محمود صاحب كشك الشجرة الذى نشأ منذ مدة طويلة ملاصقًا للشجرة . كان من المستحيل اصلًا ازالة الشجرة والكشك موجود ، لكن الشجرة كانت قد اختفت والكشك كان لايزال موجود دون ان يمسه اى ضرر . وبالطبع امتنعت عن سؤال عم محمود لأن كل هذا الحشيش الذى يدخنه يوميًا قد يجعله يتساءل عن أى شجرة اتحدث..ماذا كان اسم الكشك ؟ لا اعرف حقًا يا عم محمود لربما اختفى الكشك ايضًا وكلانا لم يدرك بعد .


لا أعرف كيف حدث الأمر ، لكننا فجأة وجدنا انفسنا فى شقة الشيخ ميشو . كان يقطن الطابق السفلى لبناية متهالكة ، لكنها ليست متهالكة بقدره .
رجل تجاوز السبعين من عمره حول شقته البسيطة لملاذ لكل الشباب الذى يريد الهروب من درس الرياضيات وتدخين السجائر الكيلوباترا التى كان يحتفظ بالمئات منها رغم انه لم يدخن يومًا فى حياته .
اثناء سرده لاحدى نكات البالغين ، اخبرنا ان وظيفته هى قارئ فى المآتم ، ثم عاد لسرد نكته اخرى اباحية .
كان يتحرك بصعوبة بالغة ، وكانت جدران المنزل معبأة بصور لأشخاص مختلفين ، اخبرنا انهم اعتادوا المجئ هنا فى الماضى وفى احد الايام توقفوا عن المجئ . شباب مثلنا اعتادوا الهروب من المدرسة والمجئ الى هنا لكن فى النهاية انتهت المدرسة ولم يتبق سوى صور 4X6 على الجدار تؤنس رجل كهل يستمع الى ام كلثوم ويروى قصص اباحية من اجل اضحاك اطفال فى السادسة عشر من عمرهم .
توقفنا عن الذهاب له فى النهاية لان ما جال بتفكيرنا حينذاك هو انه بالتأكيد لا يوجد شخص سليم العقل يفعل ما يفعله الشيخ ميشو ، لكننا لم نكن قد ادركنا بعد ما يمكن ان تفعله الوحدة بسليم العقل .
لا اعرف ماذا حل بالشيخ ميشو لكن على الأرجح انهى الجميع مدارسهم ورحلوا ، وبقى هو فى شقته وفى احد الايام تم اكتشاف جثته عن طريق الصدفة او ربما حاسة الشم .


فى السنة الأول من الثانوية العامة ، اعتدت انا ولطفى ان نخرج فى رمضان بعد الافطار مباشرة بحجة صلاة التراويح ، ثم شراء علبة مارلبورو احمر ، نجلس فى احد القهاوى ونعكف على انهائها قبل الذهاب للمنزل . وطوال فترة التدخين كنا نضحك..لم نكن نفعل شيئًا حينذاك سوى الضحك على الأرجح .
هذه الايام لم نعد انا ولطفى بحاجة لاستعمال حجة واهية مثل صلاة التراويح من اجل مغادرة المنزل ، وبالتأكيد لم نعد بحاجة للاختباء من اجل تدخين سيجارة . فقط جلسنا طوال هذه الايام الماضية من اجازته القصيرة ، نتحدث عن الموت . لطفى الذى اصطحبه القدر الى سيناء التى لم "ترجع لينا تانى" ولا حاجة . هنالك ينام لطفى ممسكًا بسلاحه على اصوات الانفجارات وتبادل النيران وصراخ الموتى.


قضيت انا وفكرى ليالى عديدة نحسب الدرجات اللازمة لاجتياز السنة الدراسية لنحول دون تكرار مآساة الدبلرة مجددًا . وضعنا الخطط واحضرنا الملازم التى كنا بحاجة اليها ثم جلسنا نتابع مباراة ريال مدريد واتلتكو .
فى النهاية نجحنا فى العبور وتمكننا من كتابة اسمائنا فى كشف اسماء سكشن 2 فى الفرقة الثالثة من شعبة ميكانيكا القوى ، لكن احدنا فقط كان يجيب بنعم هذا العام حينما كان يتم نداء اسمينا .


منذ حوالى اسبوع ودعت ماهر لانه سيرحل فى الصباح الى كتيبته فى الجيش الثانى الميدانى . سخرنا من كل شئ وتبادلنا النكات وضحكنا فى وجه المآساة والحياة ذات الحظ القليل جدًا . تحدثنا عن الموت واخبرته اننى لست مستعد ، فابتسم واخبرنى ان الامر لا يهم حقًا ..فى النهاية سيموت الجميع ولا يهم حقًا متى يحدث هذا . حينما تموت فانت ميت ليس هناك شيئًا لفعله حيال الأمر ثم القى دعابة عن الموت كما فعل دائمًا . 
البعض يحبون جمع الطوابع وآخرون يحبون لعب الكرة ، اما احد هوايات ماهر فقد كانت حمل النعوش . فى كل الجنازات التى حضرها كان دائمًا احد حاملى النعش ، مهما كانت درجة قرابته بالشخص . فى احدى المرات اكتشف انه فى الجنازة الخطأ لكن هذا لم يمنعه على اى حال من حمل نعش هذا الشخص الذى لا يمت له بصلة . اعتاد ان يخبرنا الا نقلق حيال الموت لانه سيحمل نعوشنا حينما تحين اللحظة .
يوم الأربعاء الماضى ودعت ماهر للمرة الأخيرة وانتظرت حتى تم اغلاق القفل على قبره لكى اتأكد ان الأمر ليس احد دعابته المعتادة . ماهر قد رحل ورغم محاولاتى الشديدة الا اننى لم اتمكن من التوغل داخل الزحام وحمل نعشه . لا اعرف ان كنت ساتمكن من فعلها حقًا ام لا ! ففى النهاية لم يكن من المفترض ان احمل انا نعشه ..حمل النعوش كان اختصاص ماهر لكن ها انا ذا اودعه للمرة الأخيرة .

Friday, June 10, 2016

لماذا نحن دائمًا بحاجة الى التيراميسين

محاولات صباحية لاستحضار ارواح الماضى وعمل قعدة صلح وانشاد ترانيم الهاكونا ماتاتا الصباحية . والعودة الى الأصول الطيبة للأشياء ، ولزمن اكثر بساطة وجمال . لكن كل المحاولات تنهار مع قراءة اول سطر فى المسألة والذى ينص على ان الحياة ليست isentropic والعملية ليست سبهللة يا صديقى العزيز . فكم هو صعب الاستمرار فى السير الى الأمام ، فما بالك بقى بالسير فى عكس اتجاه الزمن ! وفى جميع الاحوال فطريقك مسدود واليوم عيد ميلاد جرح شخص ما لن يتمكن من العودة فى الزمن لوضع المرهم التيرمايسين او تبديل الضمادة حتى لا يترك الجرح علامة قبيحة او قرحة فى الجلد تترك اثرها الواضح لأعوام .
ومن الواضح ايضًا اننا سنستمر فى اتخاذ القرارات الخاطئة والسير فى الاتجاه الخاطئ للطريق لاننا نفعل هذا للمرة الأولى دون دليل واضح على اثره على المستقبل البعيد او القريب ، ولأن العالم مكان مبهم وارواحنا توقفت عن استقبال الوحى منذ تعرض للتشويش بفعل البرج الحديدى العملاق الذى ادخلته فوداوفون الى الحى الذى اعتاد ان يكون اكثر هدوءًا .