Wednesday, December 2, 2015

ثمانون فيروز واثنان وعشرون بيريل

الأمسيات الشتوية دائمًا ما تحمل رياح الماضى ، خاصة اذا ما كانت الليلة توافق اتمام فيروز لعامها الثمانون على سطح الكوكب . لذا يفضل ان تتأكد من ربط حزام امان المقعد الخاص بك فى القهوة أثناء شربك الشاى بالنعناع لأن الصدمات الوجودية عنيفة وفى حالة سقوط الشاى اثر الصدمة فسينتهى بك الأمر محطم وجدانيًا و وحيد ومشربتش شاى اللى هو فى ايه اكثر بؤسًا من كده ؟


"شايف السما شو بعيده" ... انت نظرك حلو بسم الله ما شاء الله


انتقلت الى منزلى الحالى منذ خمس سنوات . امتحانات ثانوية عامة بالتحديد لكننى لحسن حظى كنت قد صنعت مؤخرًا أصدقاء ينتمون لنفس المحيط السكنى . فى خلال الخمس سنوات تغير كل شئ تقريبًا لكننى حافظت على شئ صغير متبقى من روتين الماضى وهو الاجتماع امام بيت ناصر والخولى بعد صلاة الجمعة .
منذ خمس سنوات بالضبط كانت المرة الأولى لى هناك ، صليت الجمعة ثم وقفت مع اسامة وناصر والخولى وحولنا كل هؤلاء الأشخاص باعمارهم المختلفة والذين اتضح ان اغلبهم اقرباء ناصر والخولى . أطفال لطفاء بعضهم لم يتجاوز الثامنة وآخرون فى الثانية عشر اما نحن فكنا فى نوشك على اقتحام الثامنة عشر ..زمن السجاير الفرط اللطيف والأحلام الوردية التى علقت فى مبسم الشيشة والحديث الذى لا ينتهى عن المستقبل.
الجمعة الماضية جلست انا والخولى فى مدخل المنزل فى على امل ان نتمكن من نقل وثائقى عن نشأة الكون الى فلاشة لعينة قبل انتهاء عمر الكون . انضم ناصر الينا اثناء الانتظار ، كان قد انهى لتوه الخمس واربعون يوم الأوائل من فترة تجنيده فى الجيش وراح يحكى لنا . ثم رحل ناصر وبعد برهة مر "مشمش" لقد تجاوز طوله المائة سنتيمتر الآن وربما تجاوز العاشرة . اشارك افكارى مع الخولى فأدرك اننى لست وحدى من يمر بأزمة منتصف العمر فى الثانية والعشرين من عمره . المرء لا يدرك مدى سرعة السيارة التى يسير بها حتى يضع هدف ساكن صوب عينيه ويراقبه بينما يعبر بجانبه ويرحل بعيداً عنه بسرعة .


"شو كانت حلوة الليالى" .. مش اوى يعنى بس سنتغاضى لانها افضل ما امكننا الوصول اليه بامكانياتنا المحدودة .


بالأمس أثناء الجولة المسائية لتفقد احوال الرعية _ولان شخصًا ما أراد ان يأكل سينابون_ التحمنا بالجحافل العظيم فى كارفور . ظننت اننى سأرى كل من اعرفهم بالداخل لكننى فى حقيقة الأمر لم أرى سواها .
كانت هناك تسير باصابع متشابكة معه . عرفت انها تزوجت منذ ثلاث سنوات تقريبًا فالأخبار تنتقل بسرعة . خسرت بعض الوزن والزيادة فى السن جعلتها تتحول من فتاة مراهقة الى امرأة ..صارت اجمل بشكل ملحوظ ! ألا يفترض ان تصير الفتيات اقبح بعد الزواج ؟ يبدو أن لا شئ نجا من الأزمة الاقتصادية الماضية والعمليات الارهابية لداعش سواها..حتى فرنسا تم الاطاحة بها والأهلى خسر الدورى ، لكن يبدو ان الحياة سارت بشكل جيد بالنسبة لها هى .
آخر مرة أراها كانت تجلس على بُعد خمسة امتار منى فى درس فى الصف الثانى الثانوى والآن هى تسير معه جنبًا الى جنب بأصابع متشابكة ، وبابتسامة لطيفة .
الحقيقة هى اننى لم اكن امتلك حيالها لها اى نوع من المشاعر _وهذا هو الجانب الوحيد الايجابى للمشهد_ لكن الأمر ما زال محبط .ان اراها هناك الآن معه فى مناخ تملؤه السعادة وبالونات الهيليوم والأصابع المتشابكة ! لماذا لا يتم تدمير الأشياء الجميلة بالبساطة التى تحدث عنها تايلر دردن فى نادى القتال الا فى حالة كانت هذه الأشياء الجميلة تخصنا بالطبع ؟


"كيفك قال عم بيقولوا صار عندك اولاد"...دا زمانه صار عنده احفاد دلوقتى واحنا ولا حتى عارفين نطلع برات ام البلاد .


كل الطرق تؤدى الى روما الا الطريق الذى نسلكه فذاك آخرته لحن حزين على ما يبدو ، حيث سيتحول الأطفال الى رجال ، وستتزوج الفتيات اللواتى شاركوك دروس الثانوية العامة قبل ان تتمكن انت حتى من انهاء كليتك .
المشكلة ليس فى اننا نخشى "النهاية" بل المشكلة اننا نخشى عدم وصول "البداية" التى يبدو انها علقت فى الزحام أسفل الكوبرى .
لم استمع الى اغانى فيروز منذ فترة طويلة..ربما لأننى أعيشها .


"والايام بتمحي ايام"