Tuesday, December 30, 2014

محاول أخيرة _فاشلة_ لتجنب التحديق فى عبلة كامل

لقد ولت الأيام التى كان يمكننا فيها أن نذاكر فى الساعات الأخيرة ثم نحرز فوق الخمسة وتسعين فى المائة بالثانوية العامة ، كنا ببساطة نتناول تلك السبانخ المعلبة أو الفطر الملون ثم نركض كرجال خارقين نصب غضبنا على السلاحف الخضراء البائسة ثم نقفز أعلى بحر الحمم البركانية ونتفادى ضربات التنين لنتجاوزه ونقوم برفع الجسر ونراقبه يحترق للمرة الأخيرة ، وننقذ الأميرة ونحيا سعداء للأبد ، أو على الأقل هذا ما أخبرونا به حينذاك ، لكن الحقيقة هى أنك ان لم تمت نتيجة أوفردووز سبانخ ، سيتحتم عليك مواجهة حقيقة أن الأميرة قامت بوضعك فى الفريندزوون وذهبت للزواج من التنين وتركتك بدون وظيفة وانتهى بك الأمر كمجرد رجل ايطالى فى منتصف الثلاثينات بقبعة حمراء سخيفة وشارب مريب ، يعمل فى هيئة الصرف الصحى ويقضى أغلب وقته فى متاهات المجارى .


"احنا المفروض منكونش هنا "



اليوم هو رأس السنة ، وبينما تمتلأ الشوارع بالسعداء من أبناء الكوكب ، فان المنازل تظل مليئة بحفنة من أمثالنا الذين قرروا فى أحد الليالى أنهم يريدون دخول احدى "كليات القمة" ومع الوقت أدركنا أن المسمى يشير إلى الارتفاع الذى سيتحتم عليك قطعه تحت تأثير عجلة الجاذبية الأرضية ، حينما تسقط من أعلى تلك ال"قمة" . تخيلوا كم الأشياء التى ضحينا بها كى نكون هنا الآن وحدنا ، نتبادل النظرات مع عقارب الساعة ونطلب منها بخجل أن ترحم أديان أهالينا ، وأن تتوقف عن الدوران فقط لقليل من الوقت ، ننعى فيه سنين العمر الضائعة وأهداف الحياة اللى طلعت تسلل وحظنا "المنيل" الذى جلبنا إلى أحد بلدان
 "العالم الثالث" ، مسمى "العالم الثالث" وحده يدعو للاكتئاب.
أتساءل اذا ما كان هناك تنظيم سرى يجمع كل دكاترة الجامعات المصرية حيث يتبادلون القصص المضحكة مثل تلك المرات التى استمتعوا فيها بمراقبة تعبيرات وجوه الطلاب عند توزيع نتيجة الامتحان ، عند  طرد أحدهم من المحاضرة أو حتى عند إهانة أحدهم أمام مرأى الجميع ، فقط لأنه اعترض على منهج أستاذه _عمه وعم عياله_ التدريسى المتكامل .



"هل ينبغى على أن أقتل نفسى أم أن أصنع كوب من القهوة ؟ " فى الحقيقة يا عزيزى ، ينبغى عليك أن تبدأ فى نقل شيتات الديزاين أو مذاكرة الثيرمو أو الاستعداد لليالى الفلويدز الطويلة ، الوقت على وشك الانتهاء والعمر بيضيع ولا يحتمل الدبلرة مجدداً ، حاول ألا تتذكر حقيقة أن الضوء فى نهاية النفق قطار قادم لدهسنا لكن اذا كنت فكرت فى الأمر بالفعل فعليك على الأرجح أن تترك كل شئ وتتوجه إلى ركن الغرفة المظلم وأخرج موس الحلاقة وابدأ فى بتطبيق قواعد الاسقاط المساعد والموازى عمودى موازى ، على السينتر لاين المسمى "شريان حضرتك"  .




عليك من حين لآخر أن تتذكر ذاك الشاب الذى ألقى بنفسه من الطابق السابع فى هندسة القاهرة . ربما كان يجلس هنا مثلك يراقب جروب الدفعة ويضيف مزيد من الأسماء إلى قائمة اغتيالاته ، أو يقوم بنقل شيت الديزاين ذو الخمسون ورقة ، وفى اليوم التالى كان يجلس إلى جانبك فى مدرج اتنين لساعات يستمع إلى وابل من الهراء الفيزيائى وأن الطاقة لا تفنى لكن فقط البشر يفعلون ، وبالبشر أعنى طبعاً أمثالنا لكن دكتور المادة وحتى ذاك المعيد لا يفنون ، نحن فقط من نفنى .

بعد فترة ما من الزمن ، أدرك لا جدوى المحاولة ، مجرد لحظة واحدة اتخذ فيها القرار و_قبل أن يعيد التفكير فى الأمر_ اتجه بخطوات سريعة إلى المشهد الأخير ، الخلاص .



- قام 47 شخص فى الفترة الزمنية 1964-2000 بالانتحار فى  MIT .
-يقوم _على الأقل_ ألف طالب على مستوى العالم ، بالانتحار داخل الحرم الجامعى بالسنة الواحدة .
-قام طالب من بين كل عشر طلاب بوضع خطط للانتحار بالفعل .
-فى الهند ، يقوم حوالى عشرون طالب بالانتحار "يومياً" بسبب الاجهاد النفسى الناتج عن الامتحانات .



قبل أن تمطرنى بوابل من "بينتحروا علشان كفار ولاد ...." ولأننى لا أود الدخول فى نقاش حول كوننا "شعب متدين بطبعه" ، فدعنى أوفر كل هذا وأخبرك أن الدراسات تشير إلى أن الانتحار ينتج فى أغلب الحالات عن قرار مبهم لا يعمل فيه الوعى بشكل طبيعى ، مجرد لحظة تتحدى فيها قوانين الطبيعة والارادة البشرية وتنهى الأمر للأبد .
لقد انتحر هؤلاء الأشخاص _والذين يدرس بعضهم فى أعلى جامعات العالم_ لأنهم ببساطة ما زال يهمهم الأمر ، أرادوا أن يشعروا انهم ما زالوا يمسكون بزمام الأمور..أنهم أصحاب القرار الاخير ، وهنا قرروا انهاء حياتهم والموضوع لا يتطلب سوى لحظات من ال"تحديق فى الهاوية" لأنه وفقاً لما قاله نيتشه فانه "عندما تحدق فى الهاوية فانها تحدق فيك هى الأخرى" والهاوية تجلس القرفصاء أمام أعيننا طوال الوقت متخذة هيئة عبلة كامل ، وتعرض لنا شذرات من المستقبل المذهل ثم تبدأ فى اللطم . لهذا نقضى ساعات من التأمل فى سقف الغرفة ونغلق أعيننا كلما أمكننا ، لأن الهاوية تنتظرك وبمجرد أن تدرك أنك نظرت إليها فسوف تبتلعك للأبد .



فى النهاية سينتهى
 الأمر ، 2014 انتهت وكذلك ستفعل 2015 و 2016 ، فى النهاية سنفنى فى جميع الحالات فلا داعى للإسراع من الأمر ، لربما هناك لحظات سعيدة سنمر بها قبل أن يدهسنا القطار ، طالما لم نحدق فى الهاوية ونكثر من الصلاة على النبى وترديد بيننا وبين أنفسنا أن "الأمر ما يزال على ما يرام" وأننا "حنعوض فى الفاينال"  فقد يكون هناك شئ ما يمكننا فعله قبل أن تحين اللحظة النهائية والمشهد الختامى .ربما تجد المواساة عند خروجك مع أحد أصدقائك لمذاكرة الديزياين اللعين على احدى القهاوى ، لكن احذر! لأن فى احدى تلك المرات ستكتشف ان القهوجى خريج هندسة طنطا،  وفى تلك اللحظة أظن أن الموت شنقاً ب"لى الشيشة" ليس سئ كما يبدو .