Wednesday, September 24, 2014

حينما تبتلعك أزمة منتصف العمر أثناء متابعتك لمباراة كرة قدم

كالعادة أمضى الدقائق الأول من أى مباراة كرة قدم بحماس رهيب وامتزاج تام مع المشهد بما يصاحبه من لعن للاعب الذى ضيع الهجمة الرائعة التى كانت من المفترض أن تنتهى بهدف أعظم .
بعد لحظات يختفى الحماس ويسيطر الملل على الأجواء وأكتفى بمتابعة الرجل الأربعينى ذو الجلباب الصيفى الذى يجلس أمامى والذى بدا لى غريباً بعض الشئ حماسه المبالغ فيه لدرجة أنه اصطحب ولديه الصغيرين والذان كان يبدو على احدهما الشعور بالضيق كما سيطر ملامحه شعور بالضياع واللاجدوى والذى فى حقيقة الأمر جعلنى أشفق عليه ب
صفته يحمل نفس مشاعرى تجاه كرة القدم . أما الصغير فكان لا يتجاوز العاشرة ولكنه كان يشجع بحماس مفرط ، مقلداً والده فى حركاته بالضبط .
كان مشهداً لطيفاً حتى احتلت هى الشاشة وتوقفت الكاميرا عليها لبضع ثوانى هدأ فيهم العالم وسيطر الهدوء على المكان وأخذ الجميع يتابع فى صمت وامتدت الثوانى لتشمل الوجود بأسره وسيطر على الجميع شعور مختلف عن شعور الشهوة المعتاد لدى المصريين لكنه كان من نوع آخر ، كان شعور أشبه بالضياع .
كانت تجلس خلف سيميونى مدرب أتليتكو وتضع احدى قدميها فوق الأخرى بثقة شديدة وبدون حتى أن تلقى بالاً للرجل الغاضب أمامها أو الكاميرا المصوبة عليها ، فقط كانت تتابع المباراة بنوع من العقلانية والرزانة أخذت تتابع فى صمت دون أن يصدر عنها أى حركة شبابية مبتذلة .
لم تكن ترتدى أزياء صاخبة كما لم تكن تضع كمية كبيرة من مساحيق التجميل لأنها بلاشك لم تكن تحتاج إليها واكتفت فقط بأحمر الشفاة الذى بدا لامعاً لدرجة تجعل كل شئ يقع خارج إطار شفتيها كأنه تم تلوينه بالأبيض والأسود .
ذلك الجمال البسيط الذى لا يمكنك الهروب منه ، ذلك الذى يطاردك فى أحلامك وتظل تفكر به من حين لآخر ولا يمكنك سوى الابتسام على الرغم من الشعور بالحسرة تجاه حالك .
صدقونى حين اقول ان فى تلك اللحظة لم يعد أحد يعبأ بريال مدريد أم أتليتكو ، فقط اتحد الجميع على شئ واحد ، أنه ما زال فى العالم بعض الأشياء التى تستحق الحياة .
وبعد هذه الثوانى الطويلة عاد الكادر مجدداً ليتم تسليطه على المباراة ثم نظر كل شخص إلى من يجلس بجانبه وأخذ يبتلع حزنه مع رشفة من الشاى .
كان الكادر يعود من حين لآخر إليها ونعود نحن إلى عالمنا الجميل حيث يختفى كرش منتصف العمر الذى نعبث بشعيراته كلما جلسنا نفكر فى إحدى المشكلات الوجودية التى تطاردنا ، تختفى دقات قلبنا المتسارعة كلما صعدنا السلم ، يختفى كل شئ وتبقى هى هناك تراقب فى صمت وتدرك جيداً أن العالم فى هذه الثوانى يتمحور حولها هى فقط ، ولكنها لا تلقى بالاً بالأمر فهى تدرك أن الكاميرا ستعود دوماً إليها مجدداً .
نبتلع ذلك الحزن تلو الآخر ونطلق تنهيدة طويلة ونشعل سيجارة وندرك أن مصيرنا مع من يشبهنا ففى نهاية اليوم نحن نعرف جيداً أننا لسنا _لا سمح الله_ راموس أو بيكهام أو حتى نمتلك جسد مفتول العضلات كجسد كريستيانو . فى نهاية الأمر نحن ندرك جيداً إلى ما سيقود الأمر فى نهاية المطاف.
نحن نجلس على بعد آلاف الأميال من حيث تجلس ، نتابعها من خلف شاشات كبيرة نخفى خلفها صلعنا المبكر وكروشنا المتدلية وفقدان الذات والضياع . نختبأ خلف رجل أربعينى بجلباب صيفى يجلس برفقة أولاده ونخفى خلف كل هذا شعورنا الدفين بالحزن والحنين إلى الحياة التى لم نذق بعد أياً منها وعلى الأرجح لن نفعل .

No comments:

Post a Comment