Friday, January 22, 2016

الذكرى الخامسة ل"لاجدوى الأفعال"

هل سمعت قصة الرجل الذى سقط من اعلى ناطحة السحاب
اثناء سقوطه ظل يحاول طمأنة نفسه مرددًا
"الأمر ما يزال على ما يرام"
"الأمر ما يزال على ما يرام"
"الأمر ما يزال على ما يرام"
ليس المهم كيف تسقط
بل كيف تهبط


الساعة حوالى الثالثة فجرًا . الثلاثاء 1/12/2015
استيقظت للتو . أخرج للشرفة وأشعل السيجارة تلو الأخرى لقتل الوقت .
فى الأسفل الكلبان المجاوران لمنزلى يقتلان الوقت بطريقتهما الخاصة . انتظار احد السيارات حتى تقوم بتهدئة السرعة لتجاوز المطب قبالتهما ، وهنا يظهران فجأة من الظلام بنباح مرعب . السائق يرتجف ويفقد السيطرة على المقود للحظات لكنه سرعان ما يدرك انهم لن يمكنهم الوصول اليه داخل السيارة..هو محمى بالكامل . هنا يعود لوعيه ويحكم سيطرته على المقود بينما يعود الكلبان للظلام مجدداً .
خطر فى بالى ان هذا المشهد يشبه الثورة بشدة . الضربة المفاجئة الغير متوقعة التى أفقدت النظام اتزانه لبعض الوقت .
ظهر الناس من الظلام فجأة وطاردوا النظام . ركضوا..صرخوا..ثم وقفوا لاهثين مراقبين عدوهم يفِر هاربًا .
الكل يظن ان هذه هى النهاية..الجميع يديرون ظهرهم ويبدأون فى السير منتشين بالانتصار ، لكن فى تلك اللحظة يستعيد السائق وعيه "أنا محمى..أنا بداخل السيارة..لن يمكنهم حتى ان يلمسونى" وهنا يحكم قبضته على المقود ويديره بالكامل ثم يعود ليدهس الجميع..النهاية !
حاولت أن افكر فى سيناريوهات مختلفة لسير الأمور عقب 25 يناير . حلقة واحدة من سلسلة الأحداث المؤسفة تتعرض للكسر ... هل كانت ستتغير النتيجة ؟
عشرات من التشعبات والاتجاهات السياسية المختلفة التى ظهرت من العدم ، يكره احدهم الآخر بالتساوى . ويتحتم عليك بالطبع كراهيتهم جميعًا بنفس القدر. 

الثامنة والنصف صباح الجمعة 28/1/2011 .
استيقظت للتو . على ان اكون فى درس العربى خلال مدة قصيرة لكن كل محاولاتى للاتصال بباسم ولطفى باءت بالفشل . ظننت ان هناك شئ ما حدث لهاتفى ، لكن الحقيقة أن العطل كان قد طال كل الهواتف ، الأمر فقط هو اننى لم أدرك هذا بعد .
اذهب وحدى وأمام مكان الدرس ، اقابل ابو المكارم وابو شارب اللذان قد خرجا للتو من المجموعة السابقة .
سرت مع ابو المكارم وابو الشارب حوالى ثلاث ساعات ذاك الصباح أخبرونى فيهم أن هناك مظاهرات فى انحاء البلاد . واطلعونى عما يحدث .
تفاجأت بالامر ! لم اكن اعرف أى شئ يقع خارج عالمى المحدود بشدة . كان الأمر لا يعنينى . هذا بالاضافة الى ان بالطبع لا شئ سيتغير..لا شئ يهم .
ما زلت اذكر الحماس المشع فى عيونهم فى تلك اللحظة..ذاك الحماس الذى لم اعرف عنه شيئًا حينها..ذاك الذى تم دفنه بعدها ببضع سنوات مع العديد من الأشخاص _الذين لحسن حظنا_ لم يكونوا نحن .


الثالثة والنصف عصرًا ، الاثنين 30/11/2015 .
فى انتظار يسرى أسفل منزله . أنا وسيد نجلس فى المقعد الخلفى بينما يجلس باسم فى الأمام . لا أعرف كيف تحول مجرى الحديث من شئ لطيف مثل الدونتس الى شئ لاذع المذاق مثل احوال البلد ! لكنه حدث فقط .
تذكرت انا وباسم اللحظات الأخيرة التى كنا ما نزال نهتم فيها بالأمر .
نتائج الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة . الاعادة بين شفيق ومرسى..النظام يرتدى بلوفر ضد الاخوان . هزيمة ابوالفتوح وحامدين _الذان كانا يمثلان اتجاه الشباب حينذاك_ ونجاح مرسى وشفيق كان يعنى شئ واحد . هذا المكان لا يريد ان يتم اصلاحه بأى شكل..الشعب يريد الوضع ان يعود الى حاله السابق أو حتى أسوأ !
"بط هوين" لم تعد تبدو سخيفة الآن بلا شك . 
"سأسير بخطوات ثابتة الى لجنتى الانتخابية وابطل صوتى" هذا ما اخبرت به باسم حينذاك وهذا ما فعلته ..لقد خسرنا الحرب أيًا كانت النتيجة .

نظر باسم فى المرآة امامه وقال "فاكر لم كان عندنا امل البلد تتصلح ويطلع عينينا نقاش وزعيق مع الناس علشان نحاول نقنعهم" ابتسم كلانا ثم صمتنا قليلًا .
الدونتس..احوال البلد السياسة...كلاهما حلقة مفرغة لكن احدهما فقط يمتلك فائدة حقيقية على ارض الواقع .


الساعة حوالى الثالثة والنصف فجرًا ، الثلاثاء 1/12/2015
أترك الشرفة والأفكار التى لا طائل منها سوى تدخين المزيد من السجائر . اعود للداخل لأجد احمد مكرم ، قد كتب خارطة زمنية للأحداث مع وضع الاقتباس الأشهر من كل فترة . توقفت قليلًا عند اقتباس لبلال علاء " آمنا بكُل الأديان بحثًا عن اله يُرسل ملائكته ليخوضوا معنا حروبنا دفاعًا عن مباديء لم نعد واثقين منها" استحضر كل هذه المشاهد فى عقلى مجددًا..استرجع ذكريات النقاشات الطويلة بعد الكلية فى قهوة النوبة ، او على سطوح عبدالله ..أسترجع الشعور بالغضب تجاه الأمور _والذى فقدته منذ زمن_ واتذكر اخبارى لاحمد نفسه عن الأمر بينما يرفض هو أن يترك غضبه او يفقد الأمل .
استحضر صورة ابو شارب وهو يخبرنى عن صديق آخر له سقط فى جامعة القاهرة..استحضر فرحة ابو المكارم يوم التنحى ..ابتسم قليلًا .
الثورة نجحت فى تغيير كل شئ لكن فى النهاية لم يتغير اى شئ على الاطلاق .


الاثنين 25/1/2016
اظن ان التغيير الجذرى الذى طرأ على شخصى خلال السنوات الخمسة الماضين ، هو اننى توقفت عن التساؤل عما اذا كان هنالك امل فى حدوث تغيير .انا الآن ادرك جيدًا امكانية حدوث اى شئ . لكن السؤال الآن صار أكثر صعوبة من مجرد التساؤل عن امكانية حدوث شئ . السؤال الحقيقى هو اذا ما كنا نستحق هذا الشئ ؟


القصة عن مجتمع ينهار
وأثناء سقوطه يردد

"الأمر ما يزال على ما يرام"
"الأمر ما يزال على ما يرام"
"الأمر ما يزال على ما يرام"
ليس المهم كيف تسقط
بل كيف تهبط



 الكراهية 1995

No comments:

Post a Comment