Friday, January 8, 2021

جوثام التى لا نراها على التلفاز - (قصة قصيرة)

"جوثام مش المكان المناسب اللى تبنى فيه اسرة يا حسام؟"
تتردد هذه الكلمات فى اذنه قبل ان يفتح عينيه كل صباح اثناء بحث يديه اوتوماتيكيًا عن الموبايل لغلق المنبه، ودائمًا تفشل حاسة اللمس فى المهمة ويضطر لفتح عينيه وغلقه بنفسه.
يتصفح الاخبار ليعرف الشوارع المغلقة اليوم او المبانى التى تعرضت للتدمير. هممم..البطريق يستولى على بنك فى شارع تسعة، وذو الوجهين يقتحم مركز الشرطة فى ناصية خمسة وعشرين. والجوكر قام بتفجير بالقرب من مدرسة جوثام التجريبية. يهب مفزوعًا من السرير "تبًا !"  هذا يعنى ان عليه ان يوصل الاطفال الى طليقته لكن ليوصلهم فعليه ان يمر من شارع تسعة الذى تم اغلاقه بسبب اقتحام البنك وتبادل اطلاق النيران المستمر لان باتمان بالطبع ما يزال نائم الآن، اما الطريق الاخر سيستغرقه نص ساعة اضافية مما سيعنى تأخره عن العمل للمرة الثالثة هذا الشهر وهذا سيعرضه للخصم فى وقت هو فى امس الحاجة فيه الى المال.
ماذا سيفعل ؟ هنالك جارته فى الثالث ! فتاة لطيفة ويمكنها الاستفادة من بعض المال بعد خسارتها لقدمها حينما اقتحم الجوكر مدينة الملاهى وتلقت رصاصة فى قدمها..هذا جيد ! ليس كونها تلقت رصاصة بالطبع لكن كونها متاحة لانها تلقت رصاصة فى قدمها مما يجعلها تلازم البيت.

يوقظ الاطفال بعد ان يتأكد انه قد ملأ الجراكن بالامس لليوم التاسع من انقطاع المياه بسبب قيام الفزاعة بوضع مادة مخدرة فى شبكة الصرف. لن يتأخر اليوم من الواضح. 
يجهز الافطار ويصب لاطفاله المياه لغسيل وجههم ثم يرتدى ملابسه ويصطحبهم لجارته ويمنحها ثمانون دولارًا مقابل ثمان ساعات اليوم.
اخيرًا يمكنه الذهاب الى عمله، لكن بالطبع عليه انتظار الحافلة، فسيارته انفجرت فى مطاردة بين باتمان واحد افراد عصابة راس الغول فى يوليو الماضى، وما تزال شركة التأمين ترفض ان تعوضه بحجة ان العقد لا يشمل بند عن صاروخ خاطئ من البات موبيل.

يستقل الحافلة فى الثامنة والنصف، وبهذا سيصل عمله فى التاسعة، مع ترك نصف ساعة احتياطية قبل بداية دوامه فى التاسعة والنصف تحسبًا لاى شئ، لكن لا يمكن لاحدهم ان يحصن نفسه ضد كل شئ، هذا سخيف طبعًا بخاصة فى جوثام حيث يمكن لاى شئ ان يحدث.
فى منتصف الطريق يحدث انفجار فى المترو يؤدى الى غلق الشوارع 15 و 16 و 17، ويتم تحويل كافة الخطوط لتسير فى 22. هذا يعنى ان الطريق سيستغرق ساعة واضف عليها نصف ساعة اخرى بسبب التكدس، وبهذا بات الخصم مؤكدًا.

نصحه اصدقائه ان يحاول ان يستقطب خطيبته للحياة فى ميتروبليس، لان جوثام ليست مناخ مثالى لتربية طفل او انشاء اسرة كما ان فى النهاية ميتروبليس تحت حماية سوبر مان الذى يمكنه ان يتعامل بشكل افضل مع عدد اكبر من الاشرار فى وقت واحد، لكنها صممت على جوثام حيث نشأت وعاشت حياتها كلها، وكان عليه ان ينصاع لها بدافع الحب، نفس الحب الذى سيموت بعد سبعة اعوام ويترك خلفه طفلين وشقة من الصعب التخلص منها بسبب ان العقارات فى جوثام فى انخفاض دائم فى السعر.
لكن هل كانت ميتروبليس افضل فعلًا ؟ نعم سوبر مان اقوى بكثير لكنه للاسف يجذب اشرار اقوى بكثير.
بينما ميتروبوليس لا تحتوى على عصابات وفساد مثل جوثام الا ان كل شهرين، يخوض سوبر مان قتال مع قوة فضائية جديدة تستهدفه اولًا من اجل تدمير خط دفاع الارض، وبالطبع هو قوى بالدرجة الكافية لينتصر، لكن الامر دائمًا يترك كم لا بأس به من التدمير الشامل والحطام بعد المعركة.
القرن العشرين سئ فى كل مكان، لكنه ربما يكون اسوأ فى جوثام بقليل لان حاميها المخلص لا يعمل سوى بالمساء، لا هو ولا افراد عائلته.
باتمان، روبن، بات جيرل ونايت وينج..لماذا لا يقوم احدهم بالعمل صباحًا ؟ انه المشروع الاكثر فشلًا على الاطلاق لعائلة من السوبر هيروز، وسوء توزيع واضح للعمالة.
اتساءل ان كان هنالك هيئة عليا تخصم لهم بسبب التأخر عن انقاذ احدهم، والذى هو بالطبع اهم بكثير من التأخر على ملأ دفتر حسابات شركة ستتعرض للسطو للمرة الخامسة خلال ايام على الارجح !

يصل لعمله فى العاشرة والنصف، مما يعنى ان عليه ان يذهب لرئيسه ويتحمل الصراخ لنصف ساعة، ثم يتقبل الخصم بصدر رحب ورأس محنية تتمتم اعتذارات مختلفة لا يهم حتى ان كانت تعنى شئ. ثم يبدأ عمله فى الحادية عشر بعد كل هذا ويقضى ثمانِ ساعات فى المكتب قبل ان يتمكن مجددًا من الخروج واستقلال حافلة تستغرق ساعتين ان لم يحدث شئ اخر لعين يؤخره فى الذهاب لمنزله لدفع غرامة لجارته اللعينة ذات القدم المثقوبة بسبب انها حمقاء قررت ان تذهب لمدينة ملاهى فى مدينة بها مجرم خطير يدعى الجوكر ! ماذا سيفعل مثلًا ! بالطبع سيتردد على مدينة الملاهى..لست بحاجة الى ماجستير فى علم النفس لتدرك هذا !
لكن لا ليس اليوم..لن يسير اليوم هكذا مرة اخرى. ولهذا وبينما مديره غارق فى الصراخ، امسك بزجاجة ثم كسرها على رأس مديره ودفع به من الطابق السادس والعشرين.
بدأ الصخب فى عقله يقل تدريجيًا الآن، وبدأ يعود الى وعيه ليدرك حجم المصيبة التى وضع نفسه فيها. هذا ما كان ينقص حياته..السجن ! كأنه لم يحتك بعدد كافى من المجرمين فى الشارع كل يوم، الآن سيعيش وسطهم ما تبقى من حياته، او حتى اقرب حادث يؤدى لهروب المساجين للمرة المليون فى تاريخ جوثام.
تخطر فى راسه فكرة جيدة، يركض صوب المرحاض، ويفتح الصنبور ويشرب مقدار ما امكن من المياه. يبتلع الماء دون توقف حتى يكاد يسقط مختنقًا من الماء.
الشرطة تصل اخيرًا بعد ساعتين شرب خلالهم ما يقرب من تسعة لتر من المياه الملوثة بغاز الفزاعة. لا احد يمكنه لومه الآن على قتله لمديره..لا يوحد قاض فى العالم يمكنه ان يلومه على ما حدث !
تمكنوا من اعتقاله بصعوبة، صرخ كثيرًا وقاوم كثيرًا، لكم شرطى كان يظن انه ابو رجل مسلوخة، ثم سقط فى النهاية ببنطال مبلل.

للمرة الاولى خلال اعوام يستيقظ دون ان يتردد فى اذنه ان جوثام ليست مكان جيد للحياة. للمرة الاولى يستيقظ بسلام، ليجد نفسه فى مستشفى جوثام، الى جواره طليقته وطفليه ودكتور يخبره ان جسمه الآن خالى من السموم ولكن للاسف مديره لم ينجو من الحادث، لكن لا بأس فاى شئ يمكنه ان يحدث فى جوثام، وانه سيخرج خلال يوم على الاكثر وان حالته مستقرة الآن.
يشعر بيدها تلامس يده، يحكم قبضته علي كفها وينظر اليها ويبكيان سويًا..ربما ليست جوثام سيئة بالقدر الذى كان يظنه فى النهاية. 

No comments:

Post a Comment