Saturday, January 23, 2021

الفراشات اعلى الفراش - - (قصة قصيرة)

حينما فتح حسين عينيه ذلك المساء، ادرك ان هنالك خطبًا ما قد حل بعالمه البسيط ! لماذا قد استيقظ الآن من تلقاء نفسه دون ان تصطدم بعينه آشعة الشمس التى تتسرب خلسة كل صباح من بين ثنايا زردشات وثقوب ستارته. فقد كان كالعادة ينام على جانبه الايسر بحيث يصبح وجهه قبال الشباك بالضبط، بحيث يستقبل شعاع الشمس الاول عموديًا على عينيه كى ينتزعه من نومه، قبل حتى ان يترك الامر لمدى كفاءة لاوعيه فى التعامل مع نغمة المنبه، وهى حيلة جيدة تعلمها فى سنوات الكلية حينما انتقل للقاهرة ليعيش وحده، وتبناها للتغلب على نومه الثقيل دون مساعدة منبه امه البيولوجى الذى انقذه مرات عديدة من الانغراق فى النوم وترك المدرسة والتعليم والعمل بورشة ابيه فى الشرقية. وكان يمضى بضعة دقائق فى فراشه بعد الاستيقاظ، ينظر صوب الشعاع بالتحديد ويترك شعاعها ليغمر بؤبؤه ليقاوم السقوط فى بحور الاحلام التى لا يذكرها من جديد.
لهذا كان من الغريب ان يفتح حسين عينيه الآن دون ان يرى اى آشعة شمس .. دون ان يتمكن حتى من رؤية اطراف اصابعه من شدة الظلام. فكر فى انها ربما رغبة فى التبول .. تلك التى توقظك فى ليالى الشتاء دون تفكير او خطة مسبقة، لكن مثانته كانت فارغة من اى مياه كما كان عقله فارغ من اى تفسير منطقى لسبب استيقاظه الآن.
الاغرب هو انه ادرك فى اللحظة التالية انه لم يملك اى قدرة على التحكم بجسده، بل كان جسده قد تحرك من تلقاء نفسه، وامتدت يده لتلتقط الهاتف وتغلق كافة المنبهات التى سبق واعدها قبل نومه، ثم اعاد وضع الهاتف على المنضدة بجوار السرير، واستلقى على ظهره يتأمل بقعة اسمنتية مبهمة الشكل فى سقف الغرفة تساقطت محارتها قبل انتقاله للشقة حتى، واصبحت احدى اهم هواياته التى تساعده على الخلود للنوم، هو تأملها كل ليلة لبضع دقائق ليرى اى شكل سيرسمه خياله ويطبعه اعلاها الليلة.
احيانًا يرى في هذه البقعة حشرة لطيفة تطل عليه فى خجل، واحيانًا اخرى يرى فيها وحيد القرن، واحيانًا خفاش، او عصفور شارد اعلى غصن يتأمله بعينيه الضيقتين، وفى الايام الجيدة التى لم يعهدها منذ فترة، كان يرى فراشات كبيرة بكافة الاشكال تملأ سقفه المتهالك فتجعله كسقيفة الكاتدرائية بروما وان كان سقفه اكثر تواضعًا طبعًا. وبالطبع ايضًا، كانت هناك تلك الايام -وما اكثرها- التى يكون فيها خائر القوى وتتملك منه فيها متاعب الحياة، فيراها كبقعة اسمنتية خالية من المحارة بسبب مشكلة ما فى مواسير السباكة عند جيرانه بالاعلى.
ولهذا لم يكن من الغريب انه يتأملها مساءًا، لكن الغريب انه لم يتمكن من ان يجعل عينه تحيد عنها، بل وكان النوم يتطاير من عينه شيئًا فشيئًا عكس ما اعتاد عقله ان يفعل، ثم بحركة خاطفة -ودون ارادة منه- انتزع الغطاء من اعلى جسده وهَب ليسير خلفًا بظهره تجاه المرحاض ليجد نفسه يعيد ملأ مثانته بالمياه ثم الى الشرفة ليلتقط سيجارة منتهية من طفاية السجائر ويبتلع الدخان السابح فى الفضاء ويعيد تشكيله لينفثه بالسيجارة ويعيدها للحياة، ثم يخرج ولاعته ليطفأ سيجارته بنيرانها، ويعيد السيجارة للعلبة والولاعة الى جيبه.

************************************

كان المطر يتصاعد للسماء، حينما عاد الى الشارع، والناس من حوله يسيرون نصف نيام، يركضون بظهرهم، لا يدرى ان كان هربًا من الفاجعة ام خوفًا من ان تسرق السماء منهم قطرة مطر اخرى وتعيد معاطفهم لجفافها الاصلى.
كان يراقبهم يركضون زاعرين محاولين الافلات والهروب قفزًا من على متن الاتوبيس العمومى، او ميكروباص ما يخترق الشارع بظهره بسرعة جنونية ويعيد توجيه الطارة ويحاول ان يصطدم بشخص عابر يطلق سبابًا كالرصاص على السائق، حتى اذا ما صدمه بمرآته الجانبية، توقف الشخص عن سبه، وعاد ليستكمل رحلته بظهره من حيث اتى. وكان هنالك عسكرى يقوم قلمه بازالة مخالفة ما لهذا الميكروباص، لم تتسنى لحسين معرفة سبب المخالفة بالتحديد، لكن المؤكد انها لم تكن مخالفة للسير عكس الاتجاه، فاليوم كان الجميع يسيرون عكس الاتجاه لسببًا ما.
وبعد سلسلة من القفز الخلفى خارج العديد من المواصلات العامة وجد نفسه يسير الى داخل عمله، واخذ يراقب الناس حوله -حينما تتيح له عينه الفرصة للتأمل- وهم منهمكون فى تدمير كل ما فعلوه منذ ساعات قليلة، ويراقب تنهيدات انتصاراتهم وهى تخفت وتمحى من جديد ليعودوا الى نقطة ما كانوا عالقين فيها فى مشكلة عويصة.
الدفاتر يتم محوها وتعود الى الرف، وانابيب حبر كل تلك الاقلام تعود لتمتلأ من جديد، ومعها طاقتهم تعود رويدًا رويدًا حتى الوصول الى منتصف اليوم، ثم تعود لتخفت وتنخفض ويتم تبديدها فى مقاومة النعاس والتثاؤب ثم سرعان ما تقتصر على الابتسامات الصباحية والتحية الباردة فى مطلع الصباح فى بداية يوم العمل. وفى البداية كل شئ يعود الى مكانه ويودع احدنا الآخر بالـ "صباح الخير..يومك حلو".
واثناء عودته للمنزل اخذ يفكر فيما حل بالعالم، وان كان هو الوحيد الذى يشعر بما حدث ام ان الجميع يدركون هذا مثلما يفعل ؟ كان سؤالًا لا يمكنه الاجابة عنه طالما ظل الجميع غير قادرين على فعل اى شئ لم يسبق وفعلوه من قبل.
هل كانت تجربة متعلقة بمكيانيكا الكم باحدى المعامل فى سويسرا ؟ ربما سلاح جديد اطلقه الروس؟ لكنه كان ليسمع عنه بالتأكيد قبل ان تبدأ الامور فى السير عكسيًا ! ربما وغد ما عجوز آخر حاول ان يمرر الأجرة فى الميكروباص من الامام الى الخلف ودمر نسيج الواقع.
انهكه التفكير حتى وجد نفسه داخل المنزل، فعاد الى فراشه وقام بتشغيل المنبهات التى سرعان ما بدأ رنينها يملأ الغرفة بمجرد تشغيلها، ومكث للحظات يتأمل الشباك المقابل ويراقب الشمس بينما تنتزع آشعتها من عينيه وتستبدلها بالرغبة العارمة فى النوم.
وفى الليلة التالية استيقظ مجددًا فى الثانية عشر مساءًا ليتأمل البقعة الاسمنتية من جديد ويعيد فعل كل الاشياء التى فعلها مسبقًا لفترة لا يعلم لها نهاية.

************************************

قبل ان يدعوه الناس "راضى" فى محل عمله، مستخدمين اسم جده للتمييز بين العديد من ال"حسين" فى المكتب، كانوا ينادونه بـ"سحس" ايام الجامعة.
وكان سحس الشاب لا يشبه راضى الثلاثينى كثيرًا. فعلى الرغم من طبعه الهادئ والذى اصطحبه معه منذ كان "حسونة" فى المدرسة الابتدائية، الا انه كان يملك شعلة ما بداخله تدفع به دومًا فى منتصف هدوءه، ودون سابق انذار، لينفجر بالطاقة والحماس، بل والغضب ان استدعى الامر.
كان فى عشريناته يسير دائمًا صوب المجهول بخطوات مرتجفة احيانًا لكنها لا تتوقف عن الاندفاع نحو الامام.
ذلك الشاب القروى البسيط كنت تجده فى الصباح الباكر فى الصفوف الاولى فى قاعة المحاضرات، وعند غروب الشمس تجده فى الصفوف الاولى فى احدى المظاهرات يركض بجسده النحيف وجسمانه القروى ذا العود الصلب، الذى لم يعبث به بعد دخان السجائر او طعام الشارع بعد، يندفع ليمسك بقنابل الغاز ويحرك ساعده فى حركة دائرية ليطيح بها فى الهواء عاليًا كقذيفة موجهة، لتسقط وسط سواد العساكر الذين بدأوا فى التفرق.
وهكذا بدأ راضى رحلته ليعيش كل هذه الاحداث مرة اخرى ولكن هذه المرة سيبدأ كراضى الثلاثينى السلبى الهادئ، برئته المتهالكة وآلام العمود الفقرى والقولون، والذى اندثرت شعلته اسفل رماد الايام، واخذ يراقب عالمه بينما يبدأ فى التحول الى الشخص الذى كان عليه.

************************************

من الغريب كيف تعمل ذاكرة الواحد منا. ففى المساء الذى انهار فيه نسيج العالم، لم يكن يذكر حسين سوى احداث معينة ثابتة. لم تكن حتى جميعًا احداث ذات وقع او اثر عظيم فى حياته، لكن الشئ المشترك بينها هو انها كانت لحظات تعيسة حافلة بالتوتر.
كان يجاهد كل ليلة كى ينعم بذكرى جيدة يطارد فيها الاوغاد فى مظاهرة، او يمسك بيد سلمى ويتأملها، او لحظة برفقة اخوته وابيه وامه.
كان يجاهد من اجل ايجاد تلك البقع المضيئة فى حياته واعادتها من ذاكرته الى وعيه، لكنه فى الفترة الاخيرة لم يعد قادرًا على فعل هذا، حتى انه تيقن فى الآونة الاخيرة قبل الحدث، انه على الارجح لم يكن يملك اى ذكريات سعيدة.
ولهذا فعندما انعكس الزمن، كان يغفل اراديًا كل تلك اللحظات الغير المهمة المتكررة، والتى لم يعد لها قيمة الآن مثل الذهاب للعمل، والشجار اليومى مع سائقى الميكروباصات على التسعيرة، والخلافات مع زملاؤه فى المكتب، وبرفقة كل هذا كان هنالك دائمًا لحظات التوتر حيال صنع اى قرار، والخوف من المستقبل الذى كان يلتهم روحه كل ليلة.
مع كل امسية جديدة سار فيها بظهره، كان يتعجب كيف ان تلك الاحداث المتناهية الصغر والتى يدرك الآن مدى لا اهميتها وصغرها، كانت تبقيه مستيقظًا فى الليل يتأمل البقعة الاسمنتية لساعات دون القدرة على النوم او عن رؤية الفراشات.
تأمل كيف كانت هذه الاحداث تحتل الحيز الاكبر من ذاكرته قبل ان يخلد للنوم ذلك المساء الذى تغير فيه كل شئ، وتعجب كثيرًا حيال كل هذه الاحداث العديدة الغاية فى اللطف، والتى كان يغفل وجودها فى بواطن ذاكرته. فكان يتوقف لينظر من خلال عينيه، حينما يصل الى اذنه صوت ضحكته تسبق "افيه" ما افلت من احدهم فى وقت خاطئ تمامًا، او يعود ليشعر بالدفء عند احتضانه لابنة اخيه او استمتاعه بصنع السجائر من الدخان الذى يملأ الهواء المحيط به.
وكان يواظب كل ليلة على تأمل البقعة اعلاه، مستندًا اليها لتحديد اليوم دون ان يلقى بالًا بالتاريخ. فاليوم على سبيل المثال سيتشاجر مع مديره السابق ويترك وظيفته الاولى، لانه يذكر جيدًا ان خياله رسم فأسًا حديدية اعلى البقعة الاسمنتية فى هذا اليوم، لهذا ربما اختلس وعيه النظر بضع لحظات ليسمتع باللحظة التى وقع فيها استقالتها الاولى وسب جميع اموات مديره ثم رحل، او بالأحرى فى هذا السياق الجديد للزمن..عاد الى العمل.
كان يعى ايضًا اقتراب لقائه الاخير مع سلمى. كان مستعدًا له هذه المرة، مستبدلًا خيبة الامل والحزن، بالتأهب، والوقوف على اطراف الاصابع يراقب عقارب الساعة والثوانى حتى تحين اللحظة.
شجار طويل لبضعة ايام، ليدرك كم كان بالامكان تلافى كل هذا، وتجاوزه سويًا، لكن لا بأس فلم يعد هنالك مجال للحزن حيال ما سارت اليه الامور، والآن عليه فقط ان يكون ممتن لان يعيد معها خوض رحلتهم القصيرة لمدة ثلاثة اعوام حافلين بالاحداث التى افتقدها دورتين كاملين من الزمن، ذهابًا وايابًا.
ستعود دموعها من اعلى قميصه الابيض الى لتتساقط داخل عينيها وتبدأ فى السريان بسرعة كما انفلتت، الى داخل قناتها الدمعية حيث ستستقر مجددًا لوقت طويل..وقت كافٍ للاستمتاع بمشاهدة فراشات بكافة الالوان.
كان قد التقى بها فى ندوة للاشتراكيون الثوريون، حضرها برفقة احد اصدقائه حينما كان ما يزال سحس المدفوع بروح العدل والحرية.
تعارف عابر تم توطيده بفضل الصدفة التى جعلتهما يصطدم احدهم بالآخر ثم الركض سويًا من عساكر الامن بعد تمكنهم من صنع كماشة على المتظاهرين فى احدى المظاهرات. امسك بيدها وانفلت بين العساكر بسرعة، وركضوا لساعة كاملة لم يفلت فيهم يدها لحظة، واصطحبها الى داخل قهوة فى احد الازقة، واقنع صاحبها ان يختبأوا بالداخل لساعتين حتى تهدأ الشوارع قليلًا.
ربما لهذا كان مقدرًا رغمًا عنهما ان تنهار هذه العلاقة مثلما ولدت، لانه بعد مرور ثلاثة سنوات، كان قد سقط المحاربون، وتوقفت الفراشات عن الطيران، او حتى عن التخييم فوق بقعة سقف حجرته. وفى نهاية المطاف خيم الظلام من جديد على العالم، وعلى علاقتهم التى تم ولادتها بداخله.
لهذا وبعد ان اعاد السير فى هذه الخطوات ولكن هذه المرة من الظلام الى النور، وبينما يراقبها ذلك اليوم وسط حشود الندوة للمرة الاخيرة فى السياق الجديد للعالم، افلتت منه دمعة لم يدركها وعيه حتى، كما ان سحس لم يبك ذلك اليوم بل كل يتأملها فى شرود بابتسامة بلهاء واذن اغفلت كل هذا الكلام الغير مهم عن كارل ماركس.

************************************

اختفت البقعة الاسمنتية والشباك الذى يطل على الشمس، وسنين الجامعة وعاد ليجد نفسه حسونة الصغير فى شقته القديمة بالشرقية حيث كان سقف الغرفة دائمًا ملئ بالفراشات دون الحاجة لبقع يداعبها الخيال.
يدرك الآن رغم صغر سنه وعدم قدرته على الوصول الى رف الدولاب الاعلى دون كرسى، انه حظى بالعديد من البقع المضيئة فى حياته، بينما تقوم امه بانتزاع كل تلك القبل من اعلى جبهته عند عودته من المدرسة صباحًا، وان كان يكره اللحظة التى يدس فيها يده فى جيبه ليمنح ابيه المصروف الذى استرجعه بزجاجة بيبسى والكثير من الحلويات من كانتين المدرسة منذ ساعات.
كان قد عاد صديقًا مقربًا لمحمود جارهم من جديد، يركبان العجل كل صباح قبل ان يخلدا للنوم فى الاجازة، الآن وقد اصبحت مشاجرتهم الكبيرة ضمن صفحات المستقبل هى الاخرى، واختفى الجرح الذى اسفر عن ثلاثة غرز فى جبهته سيتركون اثر يصطحبه معه فى مستقبله، بعد ان قذفه محمود بطوبة غادرة فى الفسحة.
كل شئ كان يمر بسرعة فى تلك الحقبة من حياته بينما يعيش من جديد كل هذه الاحداث الصغيرة التى لن يذكرها فى المستقبل. لكن برفقة فراشات السقف التى لا تغادر، كان يدرك انه هو من سيغادر قريبًا.
ادرك هذا حينما استيقظ منذ بضعة ليالى ليجد نفسه لم يعد قادرًا على لفظ كلمات كاملة، ثم مرت ليالٍ اخرى ليجد نفسه يكتفى باصوات وهمهمات بينما يحبو اعلى اطرافه الاربعة فى ارضية شقتهم القديمة.
فى نهاية المطافة لن يتبقى له سوى مرة اخيرة يستيقظ فيها من نوم عميق ويرى وجه امه وابيه ثم وجه الدادة منال مجددًا للمرة الاولى فى حياته بينما تحمله بين ذراعيها وتستعد بكل الغبطة والفرح الموجودين فى العالم، لان تعيده هو الآخر الى رحم امه مثلما راقبها تفعل باخيه الاصغر منذ عامين.
فى تلك اللحظة التى لم يكن مستعدًا لها، حاول ان يبتلع قدر استطاعة رئته الصغيرة من نسمات الهواء الصيفية المتاحة فى الغرفة الساخنة المحملة ببخار الماء، واخذ يتأمل الضوء القادم من اللمبة القلاووظ البرتقالية فى اعلى سقف الغرفة، واخذ يبحث عن بقعته الاسمنتية وعن الفراشات او وحيدى القرن او عن فتاة صغيرة بضفائر بنية، كان يود ان يرى اى الاشكال سيرسمها له خياله هذه المرة قبل يعود للظلام الاول له، يركل ويبكى باطنًا وظاهرً، ويمسك باكمام جلباب الدادة منال لكن دون جدوى.
فى هذه اللحظة التى هى الاولى والاخيرة لعالمه، وبينما تحجب يد الدادة منال اخر شعاع ضوء يصل لعينه الصغيرة من لمبة السقف، سيتذكر للمرة الاولى انه فى زمنٍ بعيد .. شديد البعد، قبل ان يفتح عينيه للمرة الاولى مساء تلك الليلة التى تغير فيها نسيج الزمن ومسار العالم، كان قد فتح عينيه بعدها بساعة خارج هذا النسيج المحكم..ساعة افلتت دون ان يعيد خطواته فيها. استيقظ فى نصف الليل محاولًا البحث عن اى فراشة تساعده على النوم او ذكرى لا تخص راضى، لكنه لم يتمكن من ايجاد اى شئ سوى ظلام وبقعة اسمنتية ناتجة عن مواسير الصرف الصحى لجيرانه بالاعلى.
ارتدى ملابسه وغادر فى هذه الساعة منزله الى صيدلية قريبة، ليحضر علبة دواء سيتناول نصفها قبل ان يضع رأسه على المخدة ويستلقى على ظهره اعلى فراشه ويتأمل الفراشات للمرة الاخيرة.

No comments:

Post a Comment